بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( ومنها ) : ما هو مختص بالمفاوضة وهو أن يكون لكل من الشريكين أهلية الكفالة ، بأن يكونا حرين عاقلين ; لأن من أحكام المفاوضة ، أن كل ما يلزم لأحدهما من حقوق ما يتجران فيه يلزم [ ص: 61 ] الآخر ، ويكون كل واحد منهما فيما وجب على صاحبه بمنزلة الكفيل عنه لما نذكر ، فلا بد من أهلية الكفالة ، وشرائط أهلية الكفالة تطلب من كتاب الكفالة ( ومنها ) المساواة في رأس المال قدرا وهي شرط صحة المفاوضة بلا خلاف ، حتى لو كان المالان متفاضلين قدرا لم تكن مفاوضة ; لأن المفاوضة تنبئ عن المساواة ، فلا بد من اعتبار المساواة فيها ما أمكن ، وكذا قيمة في الرواية المشهورة حتى لو كان أحدهما صحاحا والآخر مكسرة ، أو كان أحدهما ألفا بيضاء والآخر ألفا سوداء وبينهما فضل قيمة في الصرف لم تجز المفاوضة في الرواية المشهورة ; لأن زيادة القيمة بمنزلة زيادة الوزن ، فلا تثبت المساواة التي هي من مقتضى العقد ، وروى إسماعيل بن حماد عن أبي يوسف أن إحدى الألفين إذا كانت أفضل من الأخرى جاز ، وكانت مفاوضة لأن الجودة في أموال الربا لا قيمة لها شرعا عند مقابلتها بجنسها ، فسقط اعتبار الجودة فصار كأنهما على صفة واحدة ، وهل تشترط المجانسة في رأس المال بأن يكون كل واحد منهما دراهم أو يكون كل واحد منهما دنانير ؟ فعلى الرواية المشهورة لا تشترط حتى لو كان أحدهما دراهم والآخر دنانير ، جازت المفاوضة في الرواية المشهورة بعد أن استويا في القيمة ، ولا خلاف في أنهما إذا لم يستويا في القيمة لم تكن مفاوضة .

وروي عن أبي حنيفة عليه الرحمة أنه لا تكون مفاوضة وإن استويا في القيمة .

( وجه ) هذه الرواية أن عند اختلاف الجنس لا تعرف المساواة بينهما في القيمة ; لأن القيمة تعرف بالحزر والظن ، وتختلف باختلاف المقومين فلا تعرف بالمساواة ، والصحيح هو الرواية المشهورة لأنها من جنس الأثمان ، فكانت المجانسة ثابتة في الثمنية ( ومنها ) أن لا يكون لأحد المتفاوضين ما تصح فيه الشركة ، ولا يدخل في الشركة ، فإن كان ، لم تكن مفاوضة ; لأن ذلك يمنع المساواة وإن تفاضلا في الأموال التي لا تصح فيها الشركة كالعروض والعقار والدين ، جازت المفاوضة ، وكذا المال الغائب لأن ما لا تنعقد عليه الشركة كان وجوده والعدم بمنزلة ، وكان التفاضل فيه كالتفاضل في الأزواج والأولاد ، ( ومنها ) المساواة في الربح في المفاوضة ، فإن شرطا التفاضل في الربح ; لم تكن مفاوضة لعدم المساواة ( ومنها ) العموم في المفاوضة وهو أن يكون في جميع التجارات ، ولا يختص أحدهما بتجارة دون شريكه لما في الاختصاص من إبطال معنى المفاوضة وهو المساواة ، وعلى هذا يخرج قول أبي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة أنه لا تجوز المفاوضة بين المسلم وبين الذمي ; لأن الذمي يختص بتجارة ، لا يجوز ذلك للمسلم ، وهي التجارة في الخمر والخنزير ، فلم يستويا في التجارة فلا يتحقق معنى المفاوضة ، وعند أبي يوسف يجوز لاستوائهما في أهلية الوكالة والكفالة ، وتجوز مفاوضة الذميين لاستوائهما في التجارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية