بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو كان في يده دراهم فاشترى بدنانير ، أو كان في يده دنانير فاشترى بدراهم فالقياس أن لا يجوز على رب المال وهو قول زفر وفي الاستحسان يجوز .

( وجه ) القياس أن الدراهم والدنانير جنسان مختلفان حقيقة ، فقد اشترى بما ليس في يده من جنسه ، فيكون استدانة ، كما لو اشترى بالعروض .

( وجه ) الاستحسان أن الدراهم والدنانير عند التجار كجنس واحد ; لأنهما أثمان الأشياء ، بهما تقدر النفقات وأروش الجنايات وقيمة المتلفات ، ولا يتعذر نقل كل واحد منهما إلى الآخر ، فكانا بمنزلة شيء واحد ، فكان مشتريا بثمن في يده من جنسه .

وكذلك .

لو اشترى بثمن هو من جنس رأس المال ، لكنه يخالفه في الصفة بأن اشترى بدراهم بيض ورأس المال دراهم سود ، أو اشترى بصحاح ورأس المال غلة ، أو اشترى بدراهم سود ورأس المال دراهم بيض ، أو اشترى بدراهم غلة ورأس المال صحاح ، فذلك جائز على المضاربة .

وقال زفر : لا يجوز شيء من ذلك على المضاربة ، ويكون استدانة ، ويجعل اختلاف الصفة كاختلاف الجنس .

وقال محمد : إن اشترى بما صفته أنقص من صفة رأس المال جاز ، وهذا يشير إلى أنه لو اشترى بما صفته أزيد من صفة رأس المال أنه لا يجوز على المضاربة .

( ووجهه ) أنه إذا اشترى بما صفته أنقص من صفة رأس المال كان في يده ذلك القدر الذي اشترى به ذلك القدر وزيادة فجاز ، وإذا اشترى بما صفته أكمل لم يكن في يده القدر الذي اشترى به فلا يجوز على المضارب والصحيح قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ; لأنه لما جاز عند اختلاف الجنس ، فلأن يجوز عند اختلاف الصفة أولى ; لأن تفاوت الصفة دون تفاوت الجنس ولو كان رأس المال ألف درهم فاشترى سلعة بألف أو بدنانير أو بفلوس قيمة ذلك ألف ، لا يملك أن يشتري بعد ذلك على ألف المضاربة شيئا بألف أخرى أو غير ذلك ; لأن مال المضاربة كان مستحقا بالثمن الأول ، فلو اشترى بعد ذلك لصار مستدينا على مال المضاربة ، فلا يملك ذلك ، فإن اشترى عليها أولا عبدا بخمسمائة ، لا يملك بعد ذلك أن يشتري إلا بقدر خمسمائة ; لأن الخمسمائة خرجت من المضاربة ، وكذلك كل دين يلحق رأس المال ; لأن ذلك صار مستحقا من رأس المال ، فيخرج القدر المستحق من المضاربة ، فإذا اشترى بأكثر مما بقي صار مستدينا على مال المضاربة فلا يصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية