بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( ومنها ) : أن يكون المرهون فارغا عما ليس بمرهون ، فإن كان مشغولا به بأن رهن دارا فيها متاع الراهن وسلم الدار ، أو سلم الدار مع ما فيها من المتاع ، أو رهن جوالقا دون ما فيه ، وسلم الجوالق أو سلمه مع ما فيه ، لم يجز ; لأن معنى القبض هو التخلية الممكنة من التصرف ، ولا يتحقق مع الشغل .

ولو أخرج المتاع من الدار ثم سلمها فارغة ; جاز ، وينظر إلى حال القبض لا إلى حال العقد ; لأن المانع هو الشغل ، وقد زال فينفذ ، كما في رهن المشاع .

ولو رهن المتاع الذي فيها دون الدار ، وخلى بينه وبين الدار جاز ، بخلاف ما إذا رهن الدار دون المتاع ; ; لأن الدار تكون مشغولة بالمتاع ، فأما المتاع فلا يكون مشغولا بالدار ، فيصح قبض المتاع ولم يصح قبض الدار .

ولو رهن الدار والمتاع والذي فيها صفقة واحدة ، وخلى بينه وبينهما ، وهو خارج الدار جاز الرهن فيهما جميعا ; لأنه رهن الكل وسلم الكل ، وصح تسليمهما جميعا .

ولو فرق الصفقة فيهما بأن رهن أحدهما ثم الآخر ، فإن جمع بينهما في التسليم ، صح الرهن فيهما جميعا .

( أما ) في المتاع فلا شك فيه ; لما ذكرنا أن المتاع لا يكون مشغولا بالدار .

( وأما ) في الدار ; فلأن المانع وهو الشغل قد زال ، وإن فرق بأن رهن أحدهما وسلم ، ثم رهن الآخر وسلم ، لم يجز الرهن في الدار وجاز في المتاع ، سواء قدم أو أخر ، بخلاف الهبة فإن هناك يراعى فيه الترتيب ، إن قدم هبة الدار لم تجز الهبة في الدار وجازت في المتاع ، كما في الرهن ، وإن قدم هبة المتاع ، جازت الهبة فيهما جميعا .

( أما ) في المتاع ; فلأنه غير مشغول بالدار .

( وأما ) في الدار ; فلأنها وإن كانت مشغولة وقت القبض لكن بمتاع هو ملك الموهوب له ، فلم يمنع صحة القبض ، وهنا الدار مشغولة بمتاع هو ملك الراهن ; فيمنع صحة القبض فهو الفرق ولو رهن دارا والراهن والمرتهن في جوف الدار فقال الراهن : سلمتها إليك لم يصح التسليم ، حتى يخرج من الدار ثم يسلم ; لأن معنى التسليم وهو التخلية لا يتحقق مع كونه في الدار ، فلا بد من تسليم جديد بعد الخروج منها .

ولو رهن دابة عليها حمل دون الحمل ، لم يتم الرهن ، حتى يلقي الحمل عنها ثم يسلمها إلى المرتهن .

ولو رهن الحمل دون الدابة ودفعها إليه كان رهنا تاما في الحمل ; لأن الدابة مشغولة بالحمل ، أما الحمل فليس مشغولا بالدابة ، كما في رهن الدار التي فيها المتاع بدون المتاع ، ورهن المتاع الذي في الدار بدون الدار ولو رهن سرجا على دابة أو لجاما في رأسها أو رسنا في رأسها ، فدفع إليه الدابة مع اللجام والسرج والرسن لم يكن رهنا حتى ينزعه من رأس الدابة ثم يسلم ، بخلاف ما إذا رهن متاعا في الدار ; لأن السرج ونحوه من توابع الدابة ، فلم يصح رهنها بدون الدابة ، كما لا يصح رهن الثمر بدون الشجر ، بخلاف المتاع فإنه ليس تبعا للدار .

ولهذا قالوا : لو رهن دابة عليها سرج أو لجام ، دخل ذلك في الرهن بحكم التبعية ، وعلى هذا يخرج ما إذا رهن جارية واستثنى ما في بطنها ، أو بهيمة واستثنى ما في بطنها أنه لا يجوز الاستثناء ولا العقد ، أما الاستثناء ; فلأنه لو جاز ، لكان المرهون مشغولا بما ليس بمرهون .

وأما العقد ; فلأن استثناء ما في البطن بمنزلة الشرط الفاسد ، والرهن تبطله الشروط الفاسدة ، كالبيع بخلاف الهبة .

ولو أعتق ما في بطن جاريته ثم رهن الأم أو دبر ما في بطنها ، ثم رهن الأم ، فالكلام فيه كالكلام في الهبة ، وقد مر الكلام في الهبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية