بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( وأما ) الذي يتعلق بكيفية هذا الحكم فنوعان : الأول أن الثابت للمرتهن حق حبس الرهن بالدين الذي رهن به ، وليس له أن يمسكه بدين وجب له على الراهن قبل الرهن أو بعده ; لأنه مرهون بهذا الدين لا بدين آخر ، فلا يملك حبسه بدين آخر ; لأن ذلك دين لا رهن به .

والثاني أن المرهون محبوس بجميع الدين الذي رهن به ، سواء كانت قيمة الرهن أكثر من الدين أو أقل ، حتى لو قضى الراهن بعض الدين ، كان للمرتهن أن يحبس كل الرهن ، حتى يستوفي ما بقي ، قل الباقي أو كثر ; لأن الرهن في حق ملك الحبس مما لا يتجزأ ، فما بقي شيء من الدين بقي محبوسا به ، كالمبيع قبل القبض لما كان محبوسا بجميع الثمن فما بقي شيء من الثمن بقي محبوسا به كذا هذا ; ولأن صفقة الرهن واحدة فاسترداد شيء من المرهون بقضاء بعض الدين يتضمن تفريق الصفقة من غير رضا [ ص: 153 ] المرتهن ; وهذا لا يجوز ، وسواء كان المرهون شيئا واحدا أو أشياء ، ليس للراهن أن يسترد شيئا من ذلك بقضاء بعض الدين ; لما قلنا ، وسواء سمى لكل واحد منهما شيئا من المال الذي رهن به أو لم يسم في رواية الأصل وذكر في الزيادات فيمن رهن مائة شاة بألف درهم ، على أن كل شاة منهم بعشرة دراهم ، فأدى عشرة دراهم ; كان له أن يقبض شاة .

ذكر الحاكم الشهيد أن ما ذكر في الأصل قول أبي يوسف ، وما ذكر في الزيادات قول محمد ، وذكر الجصاص أن في المسألة روايتين عن محمد .

( وجه ) رواية الزيادات أنه لما سمى لكل واحد منهما دينا متفرقا ; أوجب ذلك تفريق الصفقة ، فصار كأنه رهن كل واحد منهما بعقد على حدة .

( وجه ) رواية الأصل أن الصفقة واحدة حقيقة ; لأنها أضيفت إلى الكل إضافة واحدة ، إلا أنه تفرقت التسمية ، وتفريق التسمية لا يوجب تفريق الصفقة ، كما في البيع إذا اشتملت الصفقة على أشياء كان للبائع حق حبس كلها إلى أن يستوفي جميع الثمن ، وإن سمى لكل واحد منهما ثمنا على حدة كذا هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية