بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( وأما ) صفات النصاب ( فمنها ) أن تكون الدراهم المسروقة جيادا حتى لو سرق عشرة زيوفا ، أو نبهرجة ، أو ستوقة لا يقطع إلا أن تكون كثيرة تبلغ قيمة عشرة جياد ، وكذلك المسروق من غير الدراهم إذا كان لا تبلغ قيمته قيمة عشرة دراهم جياد لا يقطع ; لأن مطلق اسم الدراهم في الأحاديث ينصرف إلى الجياد .

( ومنها ) أن يعتبر عشرة دراهم وزن سبعة كذا قالوا ; لأن اسم الدراهم عند الإطلاق يقع على ذلك ، ألا ترى أنه قدر به النصاب في الزكوات ، والديات ، وكذا الناس أجمعوا على هذا في ، وزن الدراهم .

ولأن هذا أوسط المقادير ; لأن الدراهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت صغارا ، وكبارا فإذا جمع صغير ، وكبير كانا درهمين من وزن سبعة ، فكان هذا الوزن هو أوسط المقادير فاعتبر به لقوله عليه الصلاة والسلام { خير الأمور أوساطها : } ، وهل يعتبر أن تكون مضروبة ؟ ذكر الكرخي - عليه الرحمة - أنه يعتبر عشرة دراهم مضروبة ، وهكذا روى بشر عن أبي يوسف ، وابن سماعة عن محمد حتى لو كان تبرا قيمته عشرة دراهم مضروبة لا يقطع ، وروى الحسن عن أبي حنيفة - عليهم الرحمة - أن السارق إذا سرق عشرة دراهم مما يجوز بين الناس ، ويروج في معاملاتهم قطع ، وهذا يدل على أن كونها مضروبة ليس بشرط .

بل يقطع في المضروبة ، وغيرها إذا كان مما يجوز بين الناس ، ويروج في معاملاتهم لهما أن تقدير نصاب السرقة وقع بالدراهم ، أو تقويم المجن ، وقع بالدراهم ، والدراهم اسم للمضروبة ، والتبر ليس بمضروب ، ولا في معنى المضروب في المالية أيضا ; لأنه ينقص عنه في القيمة فأشبه نقصان الوزن ، وأبو حنيفة - رحمه الله - اعتبر الجواز ، والرواج في معاملات الناس فأجرى به التعامل بين الناس ، يستوي في نصابه المضروب ، والصحيح ، والمكسر كما في نصاب الزكاة فما قاله أبو حنيفة - رحمه الله - أقرب إلى القياس ، وما قاله أبو يوسف ، ومحمد أقرب إلى الاحتياط في باب الحدود ، ثم كمال النصاب في قيمة المسروق يعتبر وقت السرقة لا غير ، أم وقت السرقة ، والقطع جميعا ؟ .

وفائدة هذا تظهر فيما [ ص: 79 ] إذا كانت قيمة المسروق كاملة وقت السرقة ، ثم نقصت أنه هل يسقط القطع ؟ فجملة الكلام فيه : أن نقصان المسروق لا يخلو إما أن كان نقصان العين بأن دخل المسروق عيب ، أو ذهب بعضه .

( وإما ) أن كان نقصان السعر فإن كان نقصان العين يقطع السارق ، ولا يعتبر كمال النصاب وقت القطع ، بل وقت السرقة بلا خلاف ; لأن نقصان عينه هلاك بعضه ، وهلاك الكل لا يسقط القطع ، فهلاك البعض أولى ، وإن كان نقصان السعر - ذكر الكرخي - رحمه الله - : لا يقطع في ظاهر الرواية ، وتعتبر قيمته في الوقتين جميعا .

وروى محمد - رحمه الله - أنه يقطع ، وهكذا ذكر الطحاوي - رحمه الله - : أنه تعتبر قيمته وقت الإخراج من الحرز ، وهو قول الشافعي - رحمه الله - .

( وجه ) هذه الرواية أن نقصان السعر دون نقصان العين ; لأن ذلك لا يؤثر في المحل ، وهذا يؤثر فيه ، ثم نقصان العين لم يؤثر في إسقاط القطع ، فنقصان السعر أولى

( وجه ) ظاهر الرواية على ما ذكره الكرخي - رحمه الله - الفرق بين النقصانين .

( ووجه ) الفرق بينهما أن نقصان السعر يورث شبهة نقصان في المسروق وقت السرقة ; لأن العين بحالها قائمة لم تتغير ، وتغير السعر ليس بمضمون على السارق أصلا فيجعل النقصان الطارئ كالموجود عند السرقة ، بخلاف نقصان العين ; لأنه يوجب تغير العين إذ هو هلاك بعض العين ، وهو مضمون عليه في الجملة فلا يمكن تقدير وجوده وقت السرقة ، وكذا إذا سرق في بلد فأخذ في بلد آخر ، والقيمة فيه أنقص ذكر الكرخي - رحمه الله - : أنه لا يقطع حتى تكون القيمة جميعا في السعر عشرة دراهم ، وعلى رواية الطحاوي - رحمه الله - : تعتبر قيمته وقت السرقة لا غير ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية