بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم في نفسه إذا كان منفردا أو إماما ، والكلام في التعوذ في مواضع في بيان صفته ، وفي بيان وقته ، وفي بيان من يسن في حقه ، وفي بيان كيفيته .

أما الأول فالتعوذ سنة في الصلاة عند عامة العلماء وعند مالك ليس بسنة والصحيح قول العامة لقوله تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } من غير فصل بين حال الصلاة وغيرها .

وروي أن { أبا الدرداء قام ليصلي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : تعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شياطين الإنس والجن } ، وكذا الناقلون صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلوا تعوذه بعد الثناء قبل القراءة .

وأما وقت التعوذ فما بعد الفراغ من التسبيح قبل القراءة عند عامة العلماء .

وقال أصحاب الظواهر : وقته ما بعد القراءة لظاهر قوله تعالى { فإذا قرأت القرآن } الآية ، أمر بالاستعاذة بعد قراءة القرآن ; لأن الفاء للتعقيب ، ولنا أن الذين نقلوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلوا تعوذه بعد الثناء قبل القراءة ولأن التعوذ شرع صيانة للقراءة عن وساوس الشيطان ، ومعنى الصيانة إنما يحتاج إليه قبل القراءة لا بعدها والإرادة مضمرة في الآية معناه فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله كذا قال أهل التفسير كما في قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة } أي إذا أردتم القيام إليها .

وأما من يسن في حقه التعوذ فهو الإمام والمنفرد دون المقتدي في قول أبي حنيفة ومحمد ، وعند أبي يوسف هو سنة في حقه أيضا ذكر الاختلاف في السير الكبير وحاصل الخلاف راجع إلى أن التعوذ تبع للثناء أو تبع للقراءة فعلى قولهما تبع للقراءة ; لأنه شرع لافتتاح القراءة صيانة لها عن وساوس الشيطان فكان كالشرط لها ، وشرط الشيء تبع له وعلى قوله تبع للثناء ; لأنه شرع بعد الثناء وهو من جنسه وتبع الشيء كاسمه ما يتبعه .

ويتفرع على هذا الأصل ثلاث مسائل ، إحداها أنه لا تعوذ على المقتدي عندهما [ ص: 203 ] لأنه لا قراءة عليه ، وعنده يتعوذ ; لأنه يأتي بالثناء فيأتي بما هو تبع له ، والثانية المسبوق إذا شرع في صلاة الإمام وسبح لا يتعوذ في الحال وإنما يتعوذ إذا قام إلى قضاء ما سبق به عندهما ; لأن ذلك وقت القراءة وعنده يتعوذ بعد الفراغ من التسبيح ; لأنه تبع له ، والثالثة الإمام في صلاة العيد يأتي بالتعوذ بعد التكبيرات عندهما إذا كان يرى رأي ابن عباس أو رأي ابن مسعود ; لأن ذلك وقت القراءة ، وعنده يأتي به بعد التسبيح قبل التكبيرات لكونه تبعا له .

وأما كيفية التعوذ فالمستحب له أن يقول أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم أو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ; لأن أولى الألفاظ ما وافق كتاب الله وقد ورد هذان اللفظان في كتاب الله تعالى ولا ينبغي أن يزيد عليه إن الله هو السميع العليم ; لأن هذه الزيادة من باب الثناء وما بعد التعوذ محل القراءة لا محل الثناء وينبغي أن لا يجهر بالتعوذ ; لأن الجهر بالتعوذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا : أربع يخفيهن الإمام وذكر منها التعوذ ، ولأن الأصل في الأذكار هو الإخفاء لقوله تعالى { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة } فلا يترك إلا لضرورة ثم يخفي بسم الله الرحمن الرحيم ، وقال الشافعي يجهر به .

التالي السابق


الخدمات العلمية