بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وههنا نذكر المقدار الذي يخرج به عن حد الكراهة ، والمقدار المستحب من القراءة .

أما الأول فالقدر الذي يخرج به عن حد الكراهة هو أن يقرأ الفاتحة وسورة قصيرة قدر ثلاث آيات ، أو ثلاث آيات من أي سورة كانت ، حتى لو قرأ الفاتحة وحدها أو قرأ معها آية أو آيتين يكره لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها } وأقصر السور ثلاث آيات ولم يرد به نفي الجواز بل نفي الكمال ، وأداء المفروض على وجه النقصان مكروه .

وأما القدر المستحب من القراءة فقد اختلفت الروايات فيه عن أبي حنيفة ذكر في الأصل ويقرأ الإمام في الفجر في الركعتين جميعا بأربعين آية مع فاتحة الكتاب أي سواها ، وذكر في الجامع الصغير بأربعين خمسين ستين سوى فاتحة الكتاب ، وروى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة ما بين ستين إلى مائة وإنما اختلفت الروايات لاختلاف الأخبار .

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في صلاة الفجر سورة ( ق ) حتى أخذ بعض النسوان منه في صلاة الفجر منهن أم هشام بنت الحارث بن النعمان وعن مورق العجلي قال : تلقنت سورة ( ق ) واقترب ، من في رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة قراءته لهما في صلاة الفجر ، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم { قرأ في صلاة الفجر والمرسلات وعم يتساءلون } ، وفي رواية { إذا الشمس كورت } و { إذا السماء انفطرت } .

وروى ابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان { يقرأ في الركعة الأولى من الفجر ب { الم تنزيل } السجدة ، وفي الأخرى بهل أتى على الإنسان } ، وعن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان { يقرأ في صلاة الفجر ما بين ستين آية إلى مائة } كذا ذكر وكيع .

وروي أن أبا بكر قرأ في الفجر سورة البقرة فلما فرغ قال له عمر : كادت الشمس تطلع يا خليفة رسول الله فقال رضي الله عنه : لو طلعت لم تجدنا غافلين .

وروي أن عمر رضي الله عنه قرأ سورة يوسف فلما انتهى إلى قوله { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } خنقته العبرة فركع ، ووفق بعض هم بين الروايات فقال : المساجد ثلاث مسجد له قوم زهاد وعباد يرغبون في العبادة ، ومسجد له قوم كسالى غير راغبين في العبادة ، ومسجد له قوم أوساط فينبغي للإمام أن يعمل بأكثر الروايات قراءة في الأول وبأدناها قراءة في الثاني وبأوسطها قراءة في الثالث عملا بالروايات كلها بقدر الإمكان ، ويجوز أن يكون اختلاف الروايات محمولا على هذا ، ويقرأ في الظهر بنحو من ذلك أو دونه .

وذكره في الأصل لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال : حررنا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر في الركعتين بثلاثين آية ، وعن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه قال { : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وقرأ { والسماء والطارق } { والشمس وضحاها } ، وفي العصر يقرأ بعشرين آية مع فاتحة الكتاب أي سواها } ذكره في الأصل ; لما روي عن أبي هريرة وجابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان { يقرأ في العصر بسورة { سبح اسم ربك الأعلى } و { هل أتاك حديث الغاشية } . وفي العشاء مثل ذلك } في رواية الأصل ; لقول { النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين كان يقرأ البقرة في صلاة العشاء أين أنت من الشمس وضحاها { والليل إذا يغشى } } ; ولأنها تؤخر إلى ثلث الليل فلو طول القراءة لتشوش أمر الصلاة على القوم لغلبة النوم إياهم ، وفي المغرب بسورة قصيرة خمس آيات أو ست آيات مع فاتحة الكتاب أي سواها ذكره في الأصل ; لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصار المفصل .

ولأنا أمرنا بتعجيل المغرب وفي تطويل القراءة تأخيرها ، وذكر في الجامع الصغير ويقرأ في الظهر في الأوليين مثل ركعتي الفجر والعصر والعشاء سواء والمغرب دون ذلك ، وروى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة أنه يقرأ في الظهر بعبس أو إذا الشمس كورت في الأولى ، وفي الثانية بلا أقسم أو والشمس وضحاها ، وفي العصر يقرأ في الأولى والضحى أو والعاديات ، وفي الثانية بألهاكم أو { ويل لكل همزة } .

وفي المغرب في الأولى مثل ما في العصر ، وفي العشاء في الأوليين مثل ما في الظهر فقد جعلها في الأصل كالعصر وفي المجرد كالظهر ، وذكر الكرخي [ ص: 206 ] وقال : وقدر القراءة في الفجر للمقيم قدر ثلاثين آية إلى ستين آية سوى الفاتحة في الركعة الأولى ، وفي الثانية ما بين عشرين إلى ثلاثين ، وفي الظهر في الركعتين جميعا سوى فاتحة الكتاب مثل القراءة في الركعة الأولى من الفجر ، وفي العصر والعشاء يقرأ في كل ركعة قدر عشرين آية سوى فاتحة الكتاب ، وفي المغرب في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة من قصار المفصل .

قال : وهذه الرواية أحب الروايات التي رواها المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة ، ويحتمل أن يكون اختلاف مقادير القراءة في الصلوات لاختلاف أحوال الناس فوقت الفجر وقت نوم وغفلة فتطول فيه القراءة كي لا تفوتهم الجماعة ، وكذا وقت الظهر في الصيف ; لأنهم يقيلون ، ووقت العصر وقت رجوع الناس إلى منازلهم فينقص عما في الظهر والفجر ، وكذا وقت العشاء وقت عزمهم على النوم فكان مثل وقت العصر ، ووقت المغرب وقت عزمهم على الأكل فقصر فيها القراءة لقلة صبرهم عن الأكل خصوصا للصائمين وهذا كله ليس بتقدير لازم بل يختلف باختلاف الوقت والزمان وحال الإمام والقوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية