بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) .

وأما حكم ولد المرتد فولد المرتد لا يخلو من أن يكون مولودا في الإسلام ، أو في الردة ، فإن كان مولودا في الإسلام ، بأن ولد للزوجين ولد وهما مسلمان ، ثم ارتدا لا يحكم بردته ما دام في دار الإسلام ; لأنه لما ولد وأبواه مسلمان فقد حكم بإسلامه تبعا لأبويه ، فلا يزول بردتهما لتحول التبعية إلى الدار ، إذ الدار وإن كانت لا تصلح لإثبات التبعية ابتداء عند استتباع الأبوين ، تصلح للإبقاء ; لأنه أسهل من الابتداء ، فما دام في دار الإسلام يبقى على حكم الإسلام ، تبعا للدار ، ولو لحق المرتدان بهذا الولد بدار الحرب فكبر الولد ، وولد له ولد وكبر ، ثم ظهر عليهم أما حكم المرتد والمرتدة فمعلوم ، وقد ذكرنا أن المرتد لا يسترق ويقتل ، والمرتدة تسترق ولا تقتل وتجبر على الإسلام بالحبس وأما حكم الأولاد فولد الأب يجبر على الإسلام ، ولا يقتل ; لأنه كان مسلما بإسلام أبويه تبعا لهما ، فلما بلغ كافرا فقد ارتد عنه ، والمرتد يجبر على الإسلام ، إلا أنه لا يقتل ; لأن هذه ردة حكمية لا حقيقية لوجود الإيمان حكما بطريق التبعية لا حقيقة ، فيجبر على الإسلام لكن بالحبس لا بالسيف إثباتا للحكم على قدر العلة ، ولا يجبر ولد ولده على الإسلام ; لأن ولد الولد لا يتبع الجد في الإسلام ، إذ لو كان كذلك لكان الكفار كلهم مرتدين لكونهم من أولاد آدم ونوح - عليهما الصلاة والسلام - فينبغي أن تجري عليهم أحكام أهل الردة ، وليس كذلك بالإجماع ، وإن كان مولودا في الردة بأن ارتد الزوجان ولا ولد لهما ، ثم حملت المرأة من زوجها بعد ردتها ، وهما مرتدان على حالهما ، فهذا الولد بمنزلة أبويه له حكم الردة ، حتى لو مات لا يصلى عليه ; لأن المرتد لا يرث أحدا ، ولو لحقا بهذا الولد بدار الحرب فبلغ ، وولد له أولاد فبلغوا ، ثم ظهر على الدار وسبوا جميعا ، يجبر ولد الأب وولد ولده على الإسلام ، ولا يقتلون كذا ذكر محمد في كتاب السير وذكر في الجامع الصغير أنه لا يجبر ولد ولده على الإسلام .

( وجه ) ما ذكر في السير أن ولد الأب تبع لأبويه ، فكان محكوما بردته تبعا لأبويه ، وولد الولد تبع له فكان محكوما بردته تبعا له ، والمرتد يجبر على الإسلام ، إلا أنه لا يقتل ; لأن هذه ردة حكمية فيجبر على الإسلام بالحبس لا بالقتل [ ص: 140 ] وجه ) المذكور في الجامع أن هذا الولد إنما صار محكوما بردته تبعا لأبيه ، والتبع لا يستتبع غيره .

وأما حكم الاسترقاق فذكر في السير أنه يسترق الإناث والذكور الصغار من أولاده ; لأن أمهم مرتدة وهي تحتمل الاسترقاق ، والولد كما تبع الأم في الرق يتبعها في احتمال الاسترقاق .

وأما الكبار فلا يسترقون لانقطاع التبعية بالبلوغ ، ويجبرون على الإسلام وذكر في الجامع الصغير : الولدان فيء أما الأول فلأن أمه مرتدة .

وأما الآخر فلأنه كافر أصلي ; لأن تبعية الأبوين في الردة قد انقطعت بالبلوغ ، وهو كافر ، فكان كافرا أصليا ، فاحتمل الاسترقاق ولو ارتدت امرأة وهي حامل ولحقت بدار الحرب ، ثم سبيت وهي حامل كان ولدها فيئا ; لأن السبي لحقه وهو في حكم جزء الأم ، فلا يبطل بالانفصال من الأم والذمي الذي نقض العهد ولحق بدار الحرب بمنزلة المرتد في سائر الأحكام من الإرث والحكم بعتق أمهات الأولاد والمدبرين ونحو ذلك ; لأن المعنى الذي يوجب لحاقه ، اللحاق بالموت في الأحكام التي ذكرنا لا يفصل ، إلا أنهما يفترقان من وجه : وهو أن الذمي يسترق والمرتد لا يسترق وجه الفرق أن شرع الاسترقاق للتوسل إلى الإسلام ، واسترقاق المرتد لا يقع وسيلة إلى الإسلام لما ذكرنا أنه رجع بعد ما ذاق طعم الإسلام ، وعرف محاسنه فلا يرجى فلاحه ، بخلاف الذمي والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية