بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( وأما ) بيان ما يصنع بقتلى الطائفتين فنقول - وبالله تعالى التوفيق : ( أما ) قتلى أهل العدل فيصنع بهم ما يصنع بسائر الشهداء ، لا يغسلون ، ويدفنون في ثيابهم ، ولا ينزع عنهم إلا ما لا يصلح كفنا ، ويصلى عليهم ; لأنهم شهداء لكونهم مقتولين ظلما وقد روي أن زيد بن صوحان اليمني كان يوم الجمل تحت راية سيدنا علي رضي الله عنهما فأوصى في رمقه : لا تنزعوا عني ثوبا ، ولا تغسلوا عني دما ، وارمسوني في التراب رمسا ، فإني رجل محاج أحاج يوم القيامة ( وأما ) قتلى أهل البغي فلا يصلى عليهم ; لأنه روي أن سيدنا عليا رضي الله عنه ما صلى على أهل حروراء ، ولكنهم يغسلون ويكفنون ويدفنون ; لأن ذلك من سنة موتى بني سيدنا آدم - عليه الصلاة والسلام - .

ويكره أن تؤخذ رءوسهم ، وتبعث إلى الآفاق ، وكذلك رءوس أهل الحرب ; لأن ذلك من باب المثلة ، وإنه منهي لقوله عليه الصلاة والسلام { لا لا تمثلوا } فيكره إلا إذا كان في ذلك وهن لهم ، فلا بأس به لما روي { أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جز رأس أبي جهل - عليه اللعنة - يوم بدر وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبا جهل كان فرعون هذه الأمة } ولم ينكر عليه .

ويكره بيع السلاح من أهل البغي وفي عساكرهم ; لأنه إعانة لهم على المعصية ، ولا يكره بيع ما يتخذ منه السلاح كالحديد ونحوه ; لأنه لا يصير سلاحا إلا بالعمل ونظيره أنه يكره بيع المزامير ، ولا يكره بيع ما يتخذ منه المزمار ، وهو الخشب والقصب ، وكذا بيع الخمر باطل ، ولا يبطل بيع ما يتخذ منه ، وهو العنب كذا هذا والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية