بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
، فأما إذا أكره على أحدهما غير عين بأن أكره على أن يعتق عبده أو يطلق امرأته ، فإن لم تكن المرأة مدخولا بها ففعل المكره أحدهما غرم المكره الأقل من قيمة العبد ومن نصف مهر المرأة ، أما إذا فعل أقلهما ضمانا فظاهر ; لأنه ما أتلف عليه إلا هذا القدر ، وكذلك إذا فعل أكثرهما ضمانا ; لأنه أمكنه دفع الضرورة بأقل الفعلين ضمانا فإذا فعل أكثرهما ضمانا كان مختارا في الزيادة ; لانعدام الاضطرار في هذا القدر فلا يكون تلف هذا القدر مضافا إلى المكره ، وإن كانت المرأة مدخولا بها ففعل المكره أحدهما لا شيء على المكره أما إذا طلق فظاهر ; لأن الطلاق بعد الدخول لا يوجب الضمان على المكره لما ذكرنا من قبل ، وكذلك إذا أعتق ; لأنه أمكنه دفع الضرورة بما لا يتعلق فيه ضمان أصلا وهو الطلاق فكان مختارا في الإعتاق فلا يكون الإتلاف مضافا إلى المكره فلا يضمن ، وكذلك إذا كانت المرأة غير مدخول بها .

ولكن الإكراه ناقص ففعل المكره أحدهما لا ضمان على المكره لما مر أن الإكراه الناقص لا يقطع إضافة الفعل إلى المكره ; لأن الضرورة لا تتحقق به فكان مختارا مطلقا فيه فلا يؤاخذ به المكره هذا إذا أكره على الإعتاق ، فأما إذا أكره على التوكيل بالإعتاق فوكل غيره به ففعل الوكيل ، فالقياس أن لا يصح التوكيل ولا يجوز إعتاق الوكيل ; لأن التوكيل تصرف يحتمل الفسخ فأشبه البيع ; ولهذا يبطله الهزل كالبيع فلا يصح مع الإكراه كما لا يصح البيع وفي الاستحسان يجوز ; لأن الإكراه لا يمنع صحة الإعتاق فلا يمنع صحة التوكيل بالإعتاق بخلاف البيع فإن الإكراه يمنع صحة البيع فيمنع صحة التوكيل به .

وأما قوله إنه يحتمل الفسخ والهزل فنعم لكنه تصرف قولي فلا يعمل عليه الإكراه كما لا يعمل على الإعتاق والطلاق والنكاح وغيرهما بخلاف البيع فإنه اسم للمبادلة حقيقة ، وحقيقة المبادلة بالتعاطي ، وإنما الإيجاب والقبول دليل عليه حالة الطوع فيعمل عليه الإكراه ، على ما نذكره في موضعه - إن شاء الله تعالى - وإذا نفذ إعتاق الوكيل يرجع المكره على المكره بقيمة العبد استحسانا .

والقياس أن لا يرجع ; لأن الموجود من المكره الإكراه على التوكيل بالإعتاق لا على الإعتاق ، وإنما الإعتاق حصل باختيار الوكيل ورضاه فلا يكون مضافا إلى المكره كشهود التوكيل بالإعتاق إذا رجعوا لا يضمنون ; لأنهم شهدوا بالوكالة بالإعتاق كذا ههنا وجه الاستحسان أن الإكراه على التوكيل بالإعتاق إكراه على الإعتاق ; لأنه إذا وكل بالإعتاق ملك الوكيل إعتاقه عقيب التوكيل بلا فصل فيعتقه فيتلف ماله ، فكان الإتلاف مضافا إلى المكره فيؤاخذ بضمانه ولا ضمان على الوكيل ; لأنه فعل بأمره أمرا صحيحا ، وإن كان الإكراه ناقصا فلا ضمان على المكره لما مر غير مرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية