بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وأما شبه العمد فيتعلق به أحكام منها وجوب الدية المغلظة على العاقلة ، أما وجوب الدية فلأن القصاص امتنع وجوبه مع وجود القتل العمد للشبهة فتجب الدية .

وأما صفة التغليظ فلإجماع الصحابة رضي الله عنهم ; لأنهم اختلفوا في كيفية التغليظ على ما نذكر إن شاء الله تعالى ، واختلافهم في الكيفية دليل ثبوت الأصل .

وأما الوجوب على العاقلة فلأن العاقلة إنما تعقل الخطأ تخفيفا على القاتل نظرا له لوقوعه فيه لا عن قصد ، وفي هذا القتل شبهة عدم القصد لحصوله بآلة لا يقصد بها القتل عادة ، فكان مستحقا لهذا النوع من التخفيف ، ومنها حرمان الميراث ، ومنها عدم جواز الوصية ; لأنه قتل مباشرة بغير حق ، وهل تجب الكفارة في هذا القتل ؟ ذكر الكرخي رحمه الله أنها تجب ، وألحقه بالقتل الخطأ المحض في وجوب الكفارة ، وقال بعض مشايخنا : لا تجب ، وألحقه بالعمد المحض في عدم وجوب الكفارة .

( وجه ) ما ذكره الكرخي رحمه الله أن الكفارة إنما وجبت في الخطأ إما لحق الشكر أو لحق التوبة على ما بينا ، والداعي إلى الشكر ، والتوبة ههنا موجود ، وهو سلامة البدن ، وكون الفعل جناية فيها نوع خفة لشبهة عدم القصد ، فأمكن أن يجعل [ ص: 252 ] التحرير فيه توبة .

( وجه ) القول الآخر أن هذه جناية مغلظة ، ألا ترى أن المؤاخذة فيها ثابتة ، بخلاف الخطأ فلا يصلح التحرير توبة بها كما في العمد ؟ والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية