بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو قطع يد رجل ثم قتله فإن كان بعد البرء لا تدخل اليد في النفس بلا خلاف ، والولي بالخيار إن شاء قطع يده ثم قتله ، وإن شاء اكتفى بالقتل ، وإن شاء عفا عن النفس وقطع يده ، وإن كان قبل البرء فكذلك في قول أبي حنيفة ، وفي قولهما تدخل اليد في النفس وله أن يقتله وليس له أن يقطع يده ( وجه ) قولهما أن الجناية على ما دون النفس إذا لم يتصل بها البرء لا حكم لها مع الجناية على النفس في الشريعة بل يدخل ما دون النفس في النفس كما إذا قطع يده خطأ ثم قتله قبل البرء حتى لا يجب عليه إلا دية النفس ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن حق المجني عليه في المثل وذلك في القطع والقتل ، والاستيفاء بصفة المماثلة ممكن فإذا قطع المولى يده ثم قتله كان مستوفيا للمثل فيكون الجزاء مثل الجناية جزاء وفاقا بخلاف الخطأ ; لأن المثل هناك غير مستحق بل المستحق غير المثل ; لأن المال ليس بمثل النفس .

وكان ينبغي أن لا يجب أصلا إلا أن وجوبه ثبت معدولا به عن الأصل عند استقرار سبب الوجوب فبقيت الزيادة حال عدم استقرار السبب لعدم البرء مردودة إلى حكم الأصل ، والله تعالى أعلم هذا إذا كانا جميعا عمدا فأما إذا كانا جميعا خطأ فإن كان بعد البرء لا يدخل ما دون النفس في النفس ، وتجب دية كاملة ونصف دية تتحمله العاقلة ، وتؤدى في ثلاث سنين : في السنة الأولى ثلثا الدية ثلث من الدية الكاملة ، وثلث من نصف الدية .

وفي السنة الثانية نصف الدية ثلث من الدية الكاملة ، وسدس من النصف .

وفي السنة الثالثة ثلث الدية ; لأن الدية الكاملة تؤدى في ثلاث سنين ، ونصف الدية يؤدى في سنتين من الثلاث ، وهذا يوجب أن يكون قدر المؤدى منهما ، وإنما لم يدخل ما دون النفس في النفس ; لأن الأول لما برئ فقد استقر حكمه فكان الباقي جناية مبتدأ فيبتدأ بحكمها ، وإن كان قبل البرء يدخل ما دون النفس في النفس ، ويجب دية واحدة ; لأن حكم الأول لم يستقر .

وإن كان أحدهما عمدا والآخر خطأ لا يدخل ما دون النفس في النفس بل يعتبر كل واحدة منهما بحكمه ، سواء كان بعد البرء أو قبله لأن العمد مع الخطأ جنايتان مختلفان فلا يحتملان التداخل فيعطى لكل واحد منهما حكم نفسها فيجب في العمد القصاص ، وفي الخطأ الأرش هذا كله إذا كان الجاني واحدا فقطع ثم قتل فأما إذا كانا اثنين فقطع أحدهما يده ثم قتله الآخر فلا يدخل ما دون النفس في النفس كيفما كان بعد البرء أو قبله ; لأن الأصل اعتبار كل جناية بحيالها لأن كل واحد منهما جناية على حدة فكان الأصل عدم التداخل [ ص: 304 ] وإفراد كل جناية بحكمها إلا أن عند اتحاد الجاني ، وعدم البرء قد يجعلان كجناية واحدة كأنهما حصلا بضربة واحدة تقديرا ، ولا يمكن هذا التقدير عند اختلاف الجاني لاستحالة أن يكون فعل كل واحد منهما فعلا لصاحبه حقيقة فتعذر التقدير فبقي فعل كل واحد منهما جناية مفردة حقيقة وتقديرا فيفرد حكمها ، فإن كانتا جميعا عمدا يجب القصاص على كل واحد منهما من القطع والقتل ، وإن كانتا جميعا خطأ يجب الدية عليهما يتحمل عنهما عاقلتهما في القطع والقتل ، وإن كان أحدهما عمدا ، والآخر خطأ يجب القصاص في العمد ، والأرش في الخطأ .

التالي السابق


الخدمات العلمية