بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وعلى هذا مسائل : بعضها يرجع إلى .

بيان قدر ما يستحقه الموصى له من الوصايا التي فيها ضرب إبهام ، وبعضها يرجع إلى بيان استخراج القدر المستحق من الوصية المجهول بالحساب ، وهي المسائل الحسابية ، وبيان هذه الجملة في مسائل منها ما إذا أوصى لرجل بجزء من ماله أو بنصيب من ماله أو بطائفة من ماله أو ببعض أو بشقص من ماله ، فإن بين في حياته شيئا ، وإلا أعطاه الورثة بعد موته ما شاءوا ; لأن هذه الألفاظ تحتمل القليل ، والكثير ، فيصح البيان فيه مادام حيا ، ومن ورثته إذا مات ; لأنهم قائمون مقامه لو أوصى بألف إلا شيئا ، أو إلا قليلا ، أو إلا يسيرا ، أو زهاء ألف ، أو جل هذه الألف ، أو عظم هذا الألف ، وذلك يخرج من الثلث فله النصف من ذلك ، وزيادة .

وما زاد على النصف فهو إلى الورثة يعطون منه ما شاءوا ; لأن القليل ، والكثير ، واليسير من أسماء المقابلة فلا يكون قليلا إلا ، وبمقابلته أكثر منه ، فيقتضي وجود الأكثر ، وهو النصف ، وزيادة عليه ، وتلك الزيادة مجهولة فيعطيه الورثة من الزيادة ما شاءوا .

والشيء في مثل هذا الموضع يراد به اليسير ، وقوله : جل هذه الألف ، وعامة هذه الألف ، وعظم هذه الألف عبارات عن أكثر الألف ، وهو الزيادة على النصف ، وزهاء ألف عبارة عن القريب من الألف ، وأكثر الألف قريب من الألف ، ولو أوصى له بسهم من ماله فله مثل أخس الأنصباء يزاد على الفريضة ما لم يزد على السدس عند أبي حنيفة رضي الله عنه .

وعندهما - رحمهما الله - ما لم يزد على الثلث كذا ذكر في الأصل ، وذكر في الجامع الصغير له مثل نصيب أحد الورثة ، ولا يزاد على السدس عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يزاد على الثلث ، فعلى رواية الأصل يجوز النقصان عن السدس عنده ، وعلى رواية الجامع الصغير لا يجوز ، وبيان هذه الجملة إذا مات الموصي ، وترك زوجة ، وابنا ، فللموصى له على رواية الأصل أخس سهام الورثة ، وهو الثمن ، ويزاد على ثمانية أسهم سهم آخر فيصير تسعة فيعطى تسعة المال ، وعلى رواية الجامع الصغير يعطى السدس ; لأنه أخس سهام الورثة .

ولو ترك زوجة ، وأخا لأب ، وأم ، أو لأب فللموصى له السدس عنده ; لأن أخس سهام الورثة الربع ههنا ، وهو لا يجوز الزيادة على السدس ، وعندهما له الربع ; لأنه أقل سهام الورثة ، وأنه أقل من الثلث فزاد على أربعة مثل ربعها ، وذلك سهم ، وهو خمس المال .

وكذلك لو ماتت امرأة ، وتركت زوجا ، وابنا ، ولو ترك ابنين فله السدس عنده ، وعندهما له ثلث جميع المال .

وكذلك إن ترك ثلاث بنين ، فإن ترك خمسة بنين فله سدس جميع المال عنده ، وعندهما يجعل المال على ثلاثة أسهم ، ثم يزاد عليه سهم فيعطى أربعة إذا ، وإن أقر بسهم من داره لإنسان فله السدس عنده ، وعندهما البيان إلى المقر .

وكذلك إذا أعتق سهما من عبده يعتق سدسه عنده لا غير ، وعندهما يعتق كله ; لأن العتق يتجزأ عنده ، وعندهما لا يتجزأ .

( وجه ) قولهما أن السهم اسم لنصيب مطلق ليس له حد مقدر بل يقع على القليل ، والكثير كاسم الجزء إلا أنه لا يسمى سهما إلا بعد القسمة فيقدر بواحد من أنصباء الورثة ، والأقل متيقن فيقدر به إلا إذا كان يزيد ذلك على الثلث فيزاد إلى الثلث ; لأن الوصية لا جواز لها بأكثر من الثلث من غير إجازة الورثة ، ، ولأبي حنيفة رضي الله عنه ( ما روي ) عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن رجل أوصى بسهم من ماله فقال له السدس .

( والظاهر ) أن الصحابة رضي الله عنهم بلغتهم فتواه ، ولم ينقل أنه أنكر عليه أحد فيكون إجماعا .

وروي عن إياس بن معاوية رضي الله عنه أنه قال : السهم في كلام العرب السدس إلا أنه يستعمل أيضا في أحد سهام الورثة ، والأقل متيقن به فيصرف إليه ، فإن كان أقل منه لا يبلغ به السدس ; لأنه يحتمل أنه أراد به السدس ، ويحتمل أنه أراد به مطلق سهم من سهام الورثة ، فلا يزاد على أقل سهامهم بالشك [ ص: 357 ] والاحتمال .

التالي السابق


الخدمات العلمية