بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( ولو ) قال : قد أوصيت لبني فلان وهم ثلاثة بثلث مالي ، فإذا بنو فلان خمسة - فالثلث لثلاثة منهم ; لأن قوله : لبني فلان اسم عام ، وقوله : وهم ثلاثة تخصيص أي : أوصيت لثلاثة من بني فلان ، فصح الإيصاء لثلاثة منهم غير معينين ، وهذه الجهالة لا تمنع صحة الوصية ; لأنها محصورة مستدركة ، ومثل هذه الجهالة لا تمنع صحة الوصية ; لأن تنفيذها ممكن ، كما لو أوصى لأولاد فلان .

وكما لو أوصى بثلث ماله ، وهو مجهول لا يدري كم يكون عند موت الموصي ؟ بخلاف ما أوصى لواحد من عرض الناس حيث لم يصح ; لأن تلك الجهالة غير مستدركة .

وكذا لو أوصى لقبيلة لا يحصون ; لأنه لا يمكن حصرها ، والخيار في تعيين الثلاثة من بنيه إلى ورثة الموصي ; لأنهم قائمون مقامه ، والبيان كان إليه ; لأنه هو المبهم ، فلما مات عجز عن البيان بنفسه ، فقام من يخلفه مقامه بخلاف ما إذا أوصى لمواليه حيث لم تصح ، ولم تقم الورثة مقامه ; لأن هناك تخلف المقصود من الوصية ، ولا يقف على مقصود الموصي أنه أراد به زيادة في الإنعام أو الشكر أو مجازاة أحد من الورثة ، فلا يمكنهم التعيين ، وههنا الأمر بخلافه ، واستشهد محمد - رحمه الله - لصحة هذه الوصية فقال : ألا يرى أن رجلا لو قال : أوصيت بثلث مالي لبني فلان ، وهم ثلاثة : فلان ، ، وفلان ، وفلان ، فإذا بنو فلان غير الذين سماهم - إن الوصية جائزة لمن سمى ; لأنه خص البعض فكذا ههنا .

أوضح محمد - رحمه الله تعالى - جواز تخصيص ثلاثة مجهولين بعلمه لجواز تخصيص ثلاثة معينين ، وأنه إيضاح صحيح ، ولو قال : قد أوصيت بثلث مالي لبني فلان ، وهم ثلاثة ، ولفلان ابن فلان ، فإذا بنو فلان خمسة - فلفلان ابن فلان ربع الثلث ; لأن قوله وهم ثلاثة صحيح لما ذكرنا أنه تخصيص العام فصار موصيا بثلث ماله لثلاثة من بني فلان ، ولفلان ابن فلان ، فكان فلان رابعهم ، فكان له ربع الثلث ، وثلاثة أرباعه لثلاثة من بني فلان ، ولو أوصى لرجل بمائة ، ولرجل آخر بمائة ثم قال لآخر : قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة ; لأن الشركة تقتضي التساوي ، وقد أضافها إليهما فيقتضي أن يستوي كل واحد منهما ، ولا تتحقق المساواة إلا بأن يأخذ من كل واحد منهما ثلث ما في يده ، فيكون لكل واحد ثلثا المائة فتحصل المساواة ، وإن أوصى لرجل بأربعمائة ، ولآخر بمائتين ثم قال لآخر : قد أشركتك معهما فله نصف ما أوصى لكل واحد منهما ; لأن تحقيق المشاركة بينهم على سبيل الجملة غير ممكن في هذه الصورة لاختلاف الأنصباء ، فيتحقق التساوي على سبيل الانفراد تحقيقا لمقتضى الشركة بقدر الإمكان ( وكذا ) لو أوصى لاثنين لكل واحد جارية ثم أشرك فيهما ثالثا كان له نصف كل واحدة منهما ؟ لما ذكرنا [ ص: 383 ] أن إثبات الاستواء على سبيل الاجتماع غير ممكن .

التالي السابق


الخدمات العلمية