بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما بيان ما يفسد الصلاة .

فالمفسد لها أنواع ، منها الحدث العمد قبل تمام أركانها بلا خلاف حتى يمتنع عليه البناء ، واختلف في الحدث السابق وهو الذي سبقه من غير قصد وهو ما يخرج من بدنه من بول أو غائط أو ريح أو رعاف أو دم سائل من جرح أو دمل به بغير صنعه قال أصحابنا : لا يفسد الصلاة فيجوز البناء استحسانا ، وقال الشافعي : يفسدها فلا يجوز البناء قياسا ، والكلام في البناء في مواضع ، في بيان أصل البناء أنه جائز أم لا ؟ ، وفي بيان شرائط جوازه لو كان جائزا ، وفي بيان محل البناء وكيفيته .

أما الأول القياس أن لا يجوز البناء وفي الاستحسان جائز وجه القياس أن التحريمة لا تبقى مع الحدث كما لا تنعقد معه لفوات أهلية أداء الصلاة في الحالين بفوات الطهارة فيهما إذ الشيء كما لا ينعقد من غير أهليته لا يبقى مع عدم الأهلية فلا تبقى التحريمة ; لأنها شرعت لأداء أفعال الصلاة ولهذا لا تبقى مع الحدث العمد ; ولأن صرف الوجه عن القبلة والمشي في الصلاة مناف لها وبقاء الشيء مع ما ينافيه محال .

وجه الاستحسان النص وإجماع الصحابة ، أما النص فما روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من قاء أو رعف في صلاته انصرف وتوضأ وبنى على صلاته ما لم يتكلم } وكذا روى ابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما إجماع الصحابة فإن الخلفاء الراشدين والعبادلة الثلاثة وأنس بن مالك وسلمان الفارسي رضي الله عنهم قالوا مثل مذهبنا .

وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سبقه الحدث في الصلاة فتوضأ وبنى ، وعمر رضي الله عنه سبقه الحدث وتوضأ وبنى على صلاته ، وعلي رضي الله عنه كان يصلي خلف عثمان فرعف فانصرف وتوضأ وبنى على صلاته فثبت البناء من الصحابة رضي الله عنهم قولا وفعلا والقياس يترك بالنص والإجماع .

التالي السابق


الخدمات العلمية