بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو قرأ المصلي من المصحف فصلاته فاسدة عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد تامة ويكره وقال الشافعي : لا يكره واحتجوا بما روي أن مولى لعائشة رضي الله عنها يقال له ذكوان كان يؤم الناس في رمضان وكان يقرأ من المصحف ولأن النظر في المصحف عبادة والقراءة عبادة وانضمام العبادة إلى العبادة لا يوجب الفساد إلا أنه يكره عندهما ; لأنه تشبه بأهل الكتاب ، والشافعي يقول ما نهينا عن التشبه بهم في كل شيء فإنا نأكل ما يأكلون ولأبي حنيفة طريقتان : إحداهما أن ما يوجد منه من حمل المصحف وتقليب الأوراق والنظر فيه أعمال كثيرة ليست من أعمال الصلاة ولا حاجة إلى تحملها في الصلاة فتفسد الصلاة ، وقياس هذه الطريقة أنه لو كان المصحف موضوعا بين يديه ويقرأ منه من غير حمل وتقليب الأوراق أو قرأ ما هو مكتوب على المحراب من القرآن لا تفسد صلاته لعدم المفسد وهو العمل الكثير ، والطريقة الثانية أن هذا يلقن من المصحف فيكون تعلما منه ألا ترى أن من يأخذ من المصحف يسمى متعلما فصار كما لو تعلم من معلم وذا يفسد الصلاة وكذا هذا ، وهذه الطريقة لا توجب الفصل بين ما إذا كان حاملا للمصحف مقلبا للأوراق وبين ما إذا كان موضوعا بين يديه ولا يقلب الأوراق ، وأما حديث ذكوان فيحتمل أن عائشة ومن كان من أهل الفتوى من الصحابة لم يعلموا بذلك وهذا هو الظاهر بدليل أن هذا الصنيع مكروه بلا خلاف ولو علموا بذلك لما مكنوه من عمل المكروه في جميع شهر رمضان من غير حاجة ، ويحتمل أن يكون قول الراوي كان يؤم الناس في رمضان وكان يقرأ من المصحف إخبارا عن حالتين مختلفتين أي كان يؤم الناس في رمضان وكان يقرأ من المصحف في غير حالة الصلاة إشعارا منه أنه لم يكن يقرأ القرآن ظاهره فكان يؤم ببعض سور القرآن دون أن يختم أو كان يستظهر كل يوم ورد كل ليلة ليعلم أن قراءة جميع القرآن في قيام رمضان ليست بفرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية