بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو دعا في صلاته [ ص: 237 ] فسأل الله تعالى شيئا فإن دعا بما في القرآن لا تفسد صلاته لأنه ليس من كلام الناس ، وكذا لو دعا بما يشبه ما في القرآن وهو كل دعاء يستحيل سؤاله من الناس لما قلنا .

ولو دعا بما لا يمتنع سؤاله من الناس تفسد صلاته عندنا نحو قوله : اللهم أعطني درهما ، وزوجني فلانة ، وألبسني ثوبا ، وأشباه ذلك ، وقال الشافعي : إذا دعا في صلاة بما يباح له أن يدعو به خارج الصلاة لا تفسد صلاته ، واحتج بقوله تعالى { واسألوا الله من فضله } وقوله صلى الله عليه وسلم { سلوا الله حوائجكم حتى الشسع لنعالكم والملح لقدوركم } ، وعن علي رضي الله عنه أنه كان يقنت في صلاة الفجر يدعو على من ناوأه أي عاداه ، ولنا أن ما يجوز أن يخاطب به العبد فهو من كلام الناس وضعا ولم يخلص دعاء ، وقد جرى الخطاب فيما بين العباد بما ذكرنا ألا ترى أن بعضهم يسأل بعضا ذلك فيقول أعطني درهما أو زوجني امرأة ؟ وكلام الناس مفسد ولهذا عد النبي صلى الله عليه وسلم تشميت العاطس كلاما مفسدا للصلاة في ذلك الحديث لما خاطب الآدمي به وقصد قضاء حقه وإن كان دعاء صيغة وهذا صيغته من كلام الناس وإن خاطب الله تعالى فكان مفسدا بصيغته والكتاب والسنة محمولان على دعاء لا يشبه كلام الناس أو على خارج الصلاة .

وأما حديث علي رضي الله عنه فلم يسوغوا له ذلك الاجتهاد حتى كتب إليه أبو موسى الأشعري أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فأعد صلاتك ، وذكر في الأصل أرأيت لو أنشد شعرا أما كان مفسدا لصلاته ، ومن الشعر ما هو ذكر الله تعالى كما قال الشاعر

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

.

التالي السابق


الخدمات العلمية