بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ومنها العمل الكثير الذي ليس من أعمال الصلاة في الصلاة من غير ضرورة فأما القليل فغير مفسد ، واختلف في الحد الفاصل بين القليل والكثير قال بعضهم : الكثير ما يحتاج فيه إلى استعمال اليدين والقليل ما لا يحتاج فيه إلى ذلك حتى قالوا : إذا زر قميصه في الصلاة فسدت صلاته ، وإذا حل إزاره لا تفسد ، وقال بعضهم : كل عمل لو نظر الناظر إليه من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة فهو كثير ، وكل عمل لو نظر إليه ناظر ربما يشبه عليه أنه في الصلاة فهو قليل وهو الأصح ، وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا قاتل في صلاته في غير حالة الخوف أنه تفسد صلاته ; لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة لما بينا ، وكذا إذا أخذ قوسا ورمى بها فسدت صلاته ; لأن أخذ القوس وتثقيف السهم عليه ومده حتى يرمي عمل كثير ألا ترى أنه يحتاج فيه إلى استعمال اليدين ، وكذا الناظر إليه من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة ، وبعض أهل الأدب عابوا على محمد في هذا اللفظ وهو قوله ورمى بها فقالوا : الرمي بالقوس إلقاؤها من يده وإنما يقال في الرمي بالسهم رمى عنها لا رمى بها ، والجواب عن هذا أن غرض محمد تعليم العامة وقد وجد هذا اللفظ معروفا في لسانهم فاستعمله ليكون أقرب إلى فهمهم فلذلك ذكره ، وكذالو ادهن أو سرح رأسه أو حملت امرأة صبيها وأرضعته لوجود حد العمل الكثير على العبارتين ، فأما حمل الصبي بدون الإرضاع فلا يوجب فساد الصلاة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يصلي في بيته وقد حمل أمامة بنت أبي العاص [ ص: 242 ] على عاتقه فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها } ثم هذا الصنيع لم يكره منه صلى الله عليه وسلم ; لأنه كان محتاجا إلى ذلك لعدم من يحفظها أو لبيانه الشرع بالفعل إن هذا غير موجب فساد الصلاة ، ومثل هذا في زماننا أيضا لا يكره لواحد منا لو فعل ذلك عند الحاجة أما بدون الحاجة فمكروه .

التالي السابق


الخدمات العلمية