بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وأما شرائط جواز القضاء فجميع ما ذكرنا أنه شرط جواز الأداء فهو شرط جواز القضاء إلا الوقت فإنه ليس للقضاء وقت معين بل جميع الأوقات وقت له إلا ثلاثة وقت طلوع الشمس ووقت الزوال ووقت الغروب فإنه لا يجوز القضاء في هذه الأوقات لما مر أن من شأن القضاء أن يكون مثل الفائت والصلاة في هذه الأوقات تقع ناقصة والواجب في ذمته كامل فلا ينوب الناقص عنه ، وهذا عندنا .

وأما عند الشافعي فقضاء الفرائض في هذه الأوقات جائز كما قال بجواز أداء الفجر مع طلوع الشمس وكما يجوز أداء عصر يومه عند مغيب الشمس بلا خلاف واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } فإن ذلك وقتها لا وقت لها غيره من غير فصل بين وقت ووقت ، والدليل عليه أنه يجوز عصر يومه أداء فكذا قضاء ، ولنا عموم النهي عن الصلاة في هذه الأوقات بصيغته وبمعناه على ما نذكر في صلاة التطوع إن شاء الله تعالى ، وما رواه عام في الأوقات كلها ، وما نرويه خاص في الأوقات الثلاثة فيخصصها عن عموم الأوقات مع ما أن عند التعارض الرجحان للحرمة على الحل احتياطا لأمر العبادة بخلاف عصر يومه فإن الاستثناء بعصر يومه ثبت في الروايات كلها فجوزناها ، ولأنا لو لم نجوز لأمرنا بالتفويت ، وتفويت الصلاة عن وقتها كبيرة وهي معصية من جميع الوجوه ولو جوزنا الأداء كان الأداء طاعة من وجه من حيث تحصيل أصل الصلاة وإن كان معصية من حيث التشبيه بعبدة الشمس ولا شك أن هذا أولى ; ولأن الصلاة يتضيق وجوبها بآخر الوقت ألا ترى أن كافرا لو أسلم في هذا الوقت أو صبيا احتلم تلزمه هذه الصلاة والصلاة منهي عنها في هذا الوقت وفي عصر يومه يتضيق الوجوب في هذا الوقت وقد وجبت عليه ناقصة وأداها كما وجبت بخلاف الفجر إذا طلعت فيها الشمس ; لأن الوجوب يتضيق بآخر وقتها ولا نهي في آخر وقت الفجر وإنما النهي يتوجه بعد خروج وقتها فقد وجبت عليه [ ص: 247 ] الصلاة كاملة فلا تتأدى بالناقصة فهو الفرق والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية