بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
واختلف المشايخ في جواز الاغتسال بنبيذ التمر على أصل أبي حنيفة فقال بعضهم : لا يجوز ; لأن الجواز عرف بالنص ، وأنه ورد في الوضوء دون الاغتسال ، فيقتصر على مورد النص وقال بعضهم : يجوز لاستوائهما في المعنى ، ثم لا بد من معرفة تفسير نبيذ التمر الذي فيه الخلاف ، وهو أن يلقى شيء من التمر في الماء فتخرج حلاوته إلى الماء ، ، وهكذا ذكر ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير نبيذ التمر الذي توضأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فقال : تميرات ألقيتها في الماء ; لأن من عادة العرب أنها تطرح التمر في الماء الملح ليحلو ، فما دام حلوا رقيقا ، أو قارصا يتوضأ به عند أبي حنيفة وإن كان غليظا كالرب لا يجوز التوضؤ به بلا خلاف ، وكذا إن كان رقيقا لكنه غلا ، واشتد وقذف بالزبد ; لأنه صار مسكرا ، والمسكر حرام ، فلا يجوز التوضؤ به ; ولأن النبيذ الذي توضأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رقيقا حلوا ، فلا يلحق به الغليظ ، والمر ، هذا إذا كان نيئا ، فإن كان مطبوخا أدنى طبخة فما دام حلوا أو قارصا فهو على الاختلاف ، وإن غلا ، واشتد وقذف بالزبد ذكر القدوري في شرحه لمختصر الكرخي الاختلاف فيه بين الكرخي ، وأبي طاهر الدباس على قول الكرخي يجوز .

وعلى قول أبي طاهر لا يجوز وجه قول الكرخي أن اسم النبيذ كما يقع على النيء منه يقع على المطبوخ فيدخل تحت النص ; ولأن الماء المطلق إذا اختلط به المائعات الطاهرة يجوز التوضؤ به بلا خلاف بين أصحابنا إذا كان الماء غالبا ، وههنا أجزاء الماء غالبة على أجزاء التمر فيجوز التوضؤ به .

وجه قول أبي طاهر أن الجواز عرف بالحديث ، والحديث ورد في النيء فإنه روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن ذلك النبيذ فقال : تميرات ألقيتها في الماء .

وأما قوله : " إن المائع الطاهر إذا اختلط بالماء لا يمنع التوضؤ به " فنعم إذا لم يغلب على الماء أصلا فأما إذا غلب عليه بوجه من الوجوه فلا ، وههنا غلب عليه من حيث الطعم ، واللون ، وإن لم يغلب من حيث الأجزاء ، فلا يجوز التوضؤ به ، وهذا أقرب القولين إلى الصواب .

وذكر القاضي الإسبيجابي في شرحه مختصر الطحاوي وجعله على الاختلاف في شربه فقال على قول أبي حنيفة : يجوز التوضؤ به كما يجوز شربه وعند محمد لا يجوز كما لا يجوز شربه ، وأبو يوسف فرق بين الوضوء ، والشرب فقال : يجوز شربه ، ولا يجوز الوضوء به لأنه لا يرى التوضؤ بالنيء الحلو منه ، فبالمطبوخ المر أولى

التالي السابق


الخدمات العلمية