بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما بيان ما يستحب في يوم الجمعة وما يكره فيه .

فالمستحب في يوم الجمعة لمن يحضر الجمعة أن يدهن ويمس طيبا ، ويلبس أحسن ثيابه إن كان عنده ذلك ، ويغتسل ; لأن الجمعة من أعظم شعائر الإسلام فيستحب أن [ ص: 270 ] يكون المقيم لها على أحسن وصف ، وقال مالك : غسل يوم الجمعة فريضة ، واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم } أو قال : { حق على كل محتلم } ; ولنا ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل } ، وما روي من الحديث فتأويله مروي عن ابن عباس وعائشة أنهما قالا : كان الناس عمال أنفسهم وكانوا يلبسون الصوف ويعرقون فيه والمسجد قريب السمك فكان يتأذى بعضهم برائحة بعض فأمروا بالاغتسال لهذا ، ثم انتسخ هذا حين لبسوا غير الصوف وتركوا العمل بأيديهم ثم غسل يوم الجمعة لصلاة الجمعة أم ليوم الجمعة ؟ قال الحسن بن زياد : ليوم الجمعة إظهارا لفضيلته ، قال النبي : صلى الله عليه وسلم { سيد الأيام يوم الجمعة } ، وقال أبو يوسف : لصلاة الجمعة ; لأنها مؤداة بشرائط ليست لغيرها فلها من الفضيلة ما ليس لغيرها ، وفائدة الاختلاف أن من اغتسل يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة ثم أحدث فتوضأ وصلى به الجمعة فعند أبي يوسف لا يصير مدركا لفضيلة الغسل ، وعند الحسن يصير مدركا لها ، وكذا إذا توضأ وصلى به الجمعة ثم اغتسل فهو على هذا الاختلاف فأما إذا اغتسل يوم الجمعة وصلى به الجمعة فإنه ينال فضيلة الغسل بالإجماع على اختلاف الأصلين لوجود الاغتسال والصلاة به والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية