بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) .

وأما فرض الكفاية فصلاة الجنازة .

ونذكرها في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى .

( فصل ) .

وأما الصلاة الواجبة فنوعان : صلاة الوتر ، وصلاة العيدين .

( أما صلاة الوتر ) فالكلام في الوتر يقع في مواضع ، في بيان صفة الوتر أنه واجب أم سنة ، وفي بيان من يجب عليه ، وفي بيان مقداره ، وفي بيان وقته ، وفي بيان صفة القراءة التي فيه ومقدارها ، وفي بيان ما يفسده ، وفي بيان حكمه إذا فسد أو فات عن وقته ، وفي بيان القنوت .

أما الأول فعند أبي حنيفة فيه ثلاث روايات ، روى حماد بن زيد عنه أنه فرض ، وروى يوسف بن خالد السمتي أنه واجب ، وروى نوح بن أبي مريم المروزي في الجامع عنه أنه سنة وبه أخذ أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله وقالوا : إنه سنة مؤكدة آكد من سائر السنن المؤقتة ، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم الوتر والضحى والأضحى } وفي رواية { ثلاث كتبت علي وهي لكم سنة الوتر والضحى والأضحى } ، وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إن الله كتب عليكم في كل يوم وليلة خمس صلوات } ، وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع : { صلوا خمسكم } وكذا المروي في حديث { معاذ أنه لما بعثه إلى اليمن قال له : أعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة } ولو كان الوتر واجبا لصار المفروض ست صلوات في كل يوم وليلة ولأن زيادة الوتر على الخمس المكتوبات نسخ لها ; لأن الخمس قبل الزيادة كانت كل وظيفة اليوم والليلة ، وبعد الزيادة تصير بعض الوظيفة فينسخ وصف الكلية بها ، ولا يجوز نسخ الكتاب والمشاهير من الأحاديث بالآحاد ولأن علامات السنن فيها ظاهرة فإنها تؤدى تبعا للعشاء ، والفرض ما لا يكون تابعا لفرض آخر ، وليس لها وقت ولا أذان ولا إقامة ولا جماعة ، ولفرائض الصلوات أوقات وأذان وإقامة جماعة ولذا يقرأ في الثلاث [ ص: 271 ] كلها ، وهذا من أمارات السنن ولأبي حنيفة ما روى خارجة بن حذافة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الله تعالى زادكم صلاة ألا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر } والاستدلال به من وجهين : أحدهما أنه أمر بها ومطلق الأمر للوجوب ، والثاني أنه سماها زيادة والزيادة على الشيء لا تتصور إلا من جنسه فأما إذا كان غيره فإنه يكون قرانا لا زيادة ولأن الزيادة إنما تتصور على المقدر وهو الفرض ، فأما النفل فليس بمقدر فلا تتحقق الزيادة عليه ، ولا يقال : إنها زيادة على الفرض لكن في الفعل لا في الوجوب ; لأنهم كانوا يفعلونها قبل ذلك ألا ترى أنه قال : ألا وهي الوتر ؟ ذكرها معرفة بحرف التعريف ، ومثل هذا التعريف لا يحصل إلا بالعهد ولذا لم يستفسروها .

ولو لم يكن فعلها معهودا لاستفسروا فدل أن ذلك في الوجوب لا في الفعل ، ولا يقال : إنها زيادة على السنن ; لأنها كانت تؤدى قبل ذلك بطريق السنة .

وروي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : أوتروا يا أهل القرآن فمن لم يوتر فليس منا } ومطلق الأمر للوجوب ، وكذا التوعد على الترك دليل الوجوب ، وروى أبو بكر أحمد بن علي الرازي بإسناده عن أبي سليمان ابن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : الوتر حق واجب فمن لم يوتر فليس منا } وهذا نص في الباب ، وعن الحسن البصري أنه قال : أجمع المسلمون على أن الوتر حق واجب ، وكذا حكى الطحاوي فيه إجماع السلف ومثلهما لا يكذب ; ولأنه إذا فات عن وقته يقضى عندهما وهو أحد قولي الشافعي ، ووجوب القضاء عن الفوات لا عن عذر يدل على وجوب الأداء ; ولذا لا يؤدى على الراحلة بالإجماع عند القدرة على النزول ، وبعينه ورد الحديث وذا من أمارات الوجوب والفرضية ولأنها مقدرة بالثلاث والتنفل بالثلاث ليس بمشروع .

وأما الأحاديث أما الأول ففيه نفي الفرضية دون الوجوب ; لأن الكتابة عبارة عن الفرضية ونحن به نقول : إنها ليست بفرض ولكنها واجبة وهي آخر أقوال أبي حنيفة ، والرواية الأخرى محمولة على ما قبل الوجوب ولا حجة لهم في الأحاديث الأخر ; لأنها تدل على فرضية الخمس ، والوتر عندنا ليست بفرض بل هي واجبة ، وفي هذا حكاية وهو ما روي أن يوسف بن خالد السمتي سأل أبا حنيفة عن الوتر فقال : هي واجبة ، فقال يوسف : كفرت يا أبا حنيفة وكان ذلك قبل أن يتلمذ عليه كأنه فهم من قول أبي حنيفة أنه يقول إنها فريضة فزعم أنه زاد على الفرائض الخمس فقال أبو حنيفة ليوسف أيهولني إكفارك إياي وأنا أعرف الفرق بين الواجب والفرض كفرق ما بين السماء والأرض ، ثم بين له الفرق بينهما فاعتذر إليه وجلس عنده للتعلم بعد أن كان من أعيان فقهاء البصرة ، وإذا لم يكن فرضا لم تصر الفرائض الخمس ستا بزيادة الوتر عليها وبه تبين أن زيادة الوتر على الخمس ليست نسخا لها ; لأنها بقيت بعد الزيادة كل وظيفة اليوم والليلة فرضا .

أما قولهم : إنه لا وقت لها فليس كذلك بل لها وقت وهو وقت العشاء إلا أن تقديم العشاء عليها شرط عند التذكر ، وذا لا يدل على التبعية كتقديم كل فرض على ما يعقبه من الفرائض ، ولهذا اختص بوقت استحسانا فإن تأخيرها إلى آخر الليل مستحب وتأخير العشاء إلى آخر الليل يكره أشد الكراهة ، وذا أمارة الأصالة إذ لو كانت تابعة للعشاء لتبعته في الكراهة والاستحباب جميعا .

وأما الجماعة والأذان والإقامة فلأنها من شعائر الإسلام فتختص بالفرائض المطلقة ولهذا لا مدخل لها في صلاة النساء وصلاة العيدين والكسوف .

وأما القراءة في الركعات كلها فلضرب احتياط عند تباعد الأدلة عن إدخالها تحت الفرائض المطلقة على ما نذكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية