بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما صلاة الكسوف ، والخسوف ، أما صلاة الكسوف فالكلام في صلاة الكسوف في مواضع : في بيان أنها واجبة أم سنة ، وفي بيان قدرها وكيفيتها ، وفي بيان موضعها ، وفي بيان وقتها .

أما الأول فقد ذكر محمد رحمه الله تعالى - في الأصل ما يدل على عدم الوجوب ، فإنه قال : ولا تصلى نافلة في جماعة إلا قيام رمضان وصلاة الكسوف ، فاستثنى صلاة الكسوف من الصلوات النافلة ، والمستثنى من جنس المستثنى منه ; فيدل على كونها نافلة ، وكذا روى الحسن بن زياد ما يدل عليه ، فإنه روى عن أبي حنيفة أنه قال في كسوف الشمس : إن شاءوا صلوا ركعتين ، وإن شاءوا صلوا أربعا ، وإن شاءوا أكثر من ذلك ، والتخيير يكون في النوافل لا في الواجبات ، وقال بعض مشايخنا : إنها واجبة ; لما روي عن ابن مسعود أنه قال { : كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم فقال الناس : إنما انكسفت لموت إبراهيم فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم من هذا شيئا فاحمدوا الله وكبروه وسبحوه وصلوا حتى تنجلي } وفي رواية أبي مسعود الأنصاري { فإذا رأيتموها فقوموا وصلوا } ومطلق الأمر للوجوب وعن أبي موسى الأشعري أنه قال { انكسفت الشمس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فزعا فخشي أن تكون الساعة حتى أتى المسجد فقام فصلى فأطال القيام والركوع والسجود وقال : إن هذه الآيات ترسل لا تكون لموت أحد ولا لحياته ، ولكن الله تعالى يرسلها ليخوف بها عباده فإذا رأيتم منها شيئا فارغبوا إلى ذكر الله تعالى واستغفروه } ، وفي بعض الروايات { فافزعوا إلى الله تعالى بالصلاة } وتسمية محمد رحمه الله إياها نافلة لا ينفي الوجوب ; لأن النافلة عبارة عن الزيادة ، وكل واجب زيادة على الفرائض الموظفة ألا ترى أنه قربها بقيام رمضان وهو التراويح ، وأنها سنة مؤكدة ، وهي في معنى الواجب ، ورواية الحسن لا تنفي الوجوب ; لأن التخيير قد يجري بين الواجبات كما في قوله تعالى { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة } .

التالي السابق


الخدمات العلمية