بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وأما كيفية التشييع فالمشي خلف الجنازة أفضل عندنا ، وقال الشافعي : " المشي أمامها أفضل " واحتج بما روى الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر [ ص: 310 ] كانوا يمشون أمام الجنازة } وهذا حكاية عادة وكانت عادتهم اختيار الأفضل ; ولأنهم شفعاء الميت ، والشفيع أبدا يتقدم ; لأنه أحوط للصلاة لما فيه من التحرز عن احتمال الفوت .

ولنا ما روي عن ابن مسعود موقوفا عليه ، ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { : الجنازة متبوعة وليست بتابعة ليس معها من تقدمها } وروي عنه أنه عليه السلام { كان يمشي خلف جنازة سعد بن معاذ } وروى معمر عن طاوس عن أبيه قال : { ما مشى رسول الله حتى مات إلا خلف الجنازة } وعن ابن مسعود فضل المشي خلف الجنازة على المشي أمامها كفضل المكتوبة على النافلة ; ولأن المشي خلفها أقرب إلى الاتعاظ ; لأنه يعاين الجنازة فيتعظ فكان أفضل ، والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز وتسهيل الأمر على الناس عند الازدحام ، وهو تأويل فعل أبي بكر وعمر ، والدليل عليه ما روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال : بينا أنا أمشي مع علي خلف الجنازة وأبو بكر وعمر يمشيان أمامها فقلت : لعلي ما بال أبي بكر وعمر يمشيان أمام الجنازة فقال : إنهما يعلمان أن المشي خلفها أفضل من المشي أمامها إلا أنهما يسه لان على الناس ومعناه أن الناس يتحرزون عن المشي أمامها تعظيما لها ، فلو اختار المشي خلف الجنازة لضاق الطريق على مشيعيها .

وأما قوله : " إن الناس شفعاء الميت " فينبغي أن يتقدموا فيشكل هذا بحالة الصلاة ، فإن حالة الصلاة حالة الشفاعة ومع ذلك لا يتقدمون الميت بل الميت قدامهم ، وقوله : " هذا أحوط للصلاة " قلنا : عندنا إنما يكون المشي خلفها أفضل إذا كان بقرب منها بحيث يشاهدها ، وفي مثل هذا لا تفوت الصلاة .

ولو مشى قدامها كان واسعا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما فعلوا ذلك في الجملة على ما ذكرنا غير أنه يكره أن يتقدم الكل عليها ; لأن فيه إبطال متبوعية الجنازة من كل وجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية