بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( فصل ) :

وأما سنة الحفر فالسنة فيه اللحد عندنا ، وعند الشافعي الشق ، واحتج أن توارث أهل المدينة الشق دون اللحد ، وتوارثهم حجة ، ولنا قول النبي : صلى الله عليه وسلم { اللحد لنا والشق لغيرنا } وفي رواية { اللحد لنا والشق لأهل الكتاب } وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي اختلف الناس أن يشق له ، أو يلحد ، وكان أبو طلحة الأنصاري لحادا ، وأبو عبيدة بن الجراح شاقا فبعثوا رجلا إلى أبي عبيدة ورجلا إلى أبي طلحة فقال العباس بن عبد المطلب : اللهم خر لنبيك أحب الأمرين إليك فوجد أبا طلحة من كان بعث إليه ، ولم يجد أبا عبيدة من بعث إليه ، والعباس رضي الله عنه كان مستجاب الدعوة ، وأهل المدينة إنما توارثوا الشق ; لضعف أراضيهم بالبقيع ولهذا اختار أهل بخارى الشق دون اللحد ; لتعذر اللحد لرخاوة أراضيهم .

وصفة اللحد أن يحفر القبر ، ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة فيوضع فيه الميت وصفة الشق أن يحفر حفيرة في وسط القبر ، فيوضع فيه الميت ويجعل على اللحد اللبن والقصب لما روي أنه وضع على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم طن من قصب .

وروي { أنه صلى الله عليه وسلم رأى فرجة في قبر فأخذ مدورة وناولها الحفار وقال سد : بها تلك الفرجة فإن الله تعالى يحب من كل صانع أن يحكم صنعته } والمدرة قطعة من اللبن وروي عن سعيد بن العاص أنه قال اجعلوا على قبري اللبن والقصب ، كما جعل على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر ; ولأن اللبن والقصب لا بد منهما ليمنعا ما يهال من التراب على القبر من الوصول إلى الميت .

التالي السابق


الخدمات العلمية