بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
( ومنها ) : أن يمسح رأسه مرة واحدة ، ، والتثليث مكروه ، وهذا عندنا وقال الشافعي : السنة هي التثليث وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يمسح ثلاث مرات بماء واحد ، احتج الشافعي بما روي أن عثمان بن عفان ، وعليا رضي الله عنهما حكيا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلا ثلاثا ، ومسحا بالرأس ثلاثا ، ولأن هذا ركن أصلي في الوضوء فيسن فيه التثليث قياسا على الركن الآخر ، وهو الغسل ، بخلاف المسح على الخفين ; لأنه ليس [ ص: 23 ] بركن أصلي بل ثبت رخصة ، ومبنى الرخصة على الخفة .

( ولنا ) ما روي عن معاذ رضي الله عنه أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ، ورأيته توضأ مرتين مرتين ، ورأيته توضأ ثلاثا ثلاثا ، وما رأيته مسح على رأسه إلا مرة واحدة ، وكذا روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه علم الناس وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح مرة واحدة ( وأما ) حكاية عثمان ، وعلي رضي الله عنهما فالمشهور عنهما أنهما مسحا مرة واحدة ، كذا ذكر أبو داود ، في سننه أن الصحيح من حديث عثمان رضي الله عنه أنه مسح رأسه ، وأذنيه مرة واحدة ، وكذا روى عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه توضأ في رحبة الكوفة بعد صلاة الفجر ، ومسح رأسه مرة واحدة ، ثم قال : من سره أن ينظر إلى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى وضوئي هذا .

ولو ثبت ما رواه الشافعي فهو محمول على أنه فعله بماء واحد ، وذلك سنة عندنا في رواية الحسن عن أبي حنيفة ; ولأن التثليث بالمياه الجديدة تقريب إلى الغسل فكان مخلا باسم المسح ، واعتباره بالغسل فاسد من وجهين : أحدهما : أن المسح بني على التخفيف ، والتكرار من باب التغليظ ، فلا يليق بالمسح ، بخلاف الغسل ، والثاني : أن التكرار في الغسل مفيد لحصول زيادة نظافة ، ووضاءة لا تحصل بالمرة الواحدة ، ولا يحصل ذلك بتكرار المسح ، فبطل القياس .

التالي السابق


الخدمات العلمية