بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
مطلب مسح الأذنين ( ومنها ) : أن يمسح الأذنين ظاهرهما ، وباطنهما بماء الرأس ، وقال الشافعي : السنة أن يأخذ لكل واحد منهما ماء جديدا وجه قوله أنهما عضوان منفردان ، وليسا من الرأس حقيقة ، وحكما ، أما الحقيقة فإن الرأس منبت الشعر ، ولا شعر عليهما .

وأما الحكم فلأن المسح عليهما لا ينوب عن مسح الرأس ، ولو كانا في حكم الرأس لناب المسح عليهما عن مسح الرأس كسائر أجزاء الرأس .

( ولنا ) ما روي عن علي رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه بماء مسح به رأسه } .

وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { الأذنان من الرأس } ، ومعلوم أنه ما أراد به بيان الخلقة ، بل بيان الحكم ، إلا أنه لا ينوب المسح عليهما عن مسح الرأس لأن وجوب مسح الرأس ثبت بدليل مقطوع به .

وكون الأذنين من الرأس ثبت بخبر الواحد ، وأنه يوجب العمل دون العلم ، فلو ناب المسح عليهما عن مسح الرأس لجعلناهما من الرأس قطعا ، وهذا لا يجوز ، وصار هذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم الحطيم من البيت فالحديث يفيد كون الحطيم من البيت ، حتى يطاف به كما يطاف بالبيت ، ثم لا يجوز أداء الصلاة إليه ; لأن وجوب الصلاة إلى الكعبة ثبت بدليل مقطوع به ، وكون الحطيم من البيت ثبت بخبر الواحد ، والعمل بخبر الواحد إنما يجب إذا لم يتضمن إبطال العمل بدليل مقطوع به ، أما إذا تضمن فلا ، كذلك ههنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية