بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
" وأما صوم الدين : فالأيام كلها محل له ويجوز في جميع الأيام إلا ستة أيام يومي الفطر ، والأضحى ، وأيام التشريق ، ويوم الشك " أما ما سوى صوم يوم الشك فلورد النهي عنه ، والنهي وإن كان عن غيره ، أو لغيره فلا شك أن ذلك الغير يوجد بوجود الصوم في هذه الأيام ، فأوجب ذلك نقصانا فيه ، والواجب في ذمته صوم كامل فلا يتأدى بالناقص ، وبهذا تبين بطلان أحد قولي الشافعي في صوم المتعة ، إنه يجوز في هذه الأيام لأن النهي عن الصوم في هذه الأيام عام يتناول الصيامات كلها ، فيوجب ذلك نقصانا فيه ، والواجب في ذمته كامل فلا ينوب الناقص عنه .

وأما يوم الشك فلأنه يحتمل أن يكون من رمضان ويحتمل أن يكون من شعبان فإن كان من شعبان يكون قضاء ، وإن كان من رمضان لا يكون قضاء ، فلا يكون قضاء مع الشك وهل يصح النذر بصوم يومي [ ص: 80 ] العيد وأيام التشريق ؟ روى محمد عن أبي حنيفة : أنه يصح نذره لكن الأفضل أن يفطر فيها ويصوم في أيام أخر ، ولو صام في هذه الأيام يكون مسيئا ، لكنه يخرج عنه النذر لأنه ، أوجب ناقصا وأداه ناقصا ، وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة : أنه لا يصح نذره ولا يلزمه شيء ، وهكذا روى ابن المبارك عن أبي حنيفة ، وهو قول زفر ، والشافعي ، والمسألة مبنية على جواز صوم هذه الأيام وعدم جوازه ، وقد مرت فيما تقدم ، ولو شرع في صوم هذه الأيام ثم أفسده لا يلزمه القضاء في قول أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد يلزمه .

وجه قولهما : إن الشروع في التطوع سبب الوجوب كالنذر فإذا وجب المضي فيه وجب القضاء بالإفساد ، كما لو شرع في التطوع في سائر الأيام ثم أفسده ، ولأبي حنيفة : أن الشروع ليس سبب الوجوب وضعا ، وإنما الوجوب يثبت ضرورة صيانة للمؤدى عن البطلان ، والمؤدى ههنا لا يجب صيانته لمكان النهي ، فلا يجب المضي فيه ، فلا يضمن بالإفساد ، ولو شرع في الصلاة في أوقات مكروهة فأفسدها ففيه روايتان عن أبي حنيفة في رواية : لا قضاء عليه كما في الصوم وفي رواية : عليه القضاء بخلاف الصوم ، وقد ذكرنا وجوه الفرق في كتاب الصلاة ، .

التالي السابق


الخدمات العلمية