بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو تمضمض أو استنشق فسبق الماء حلقه ودخل جوفه فإن لم يكن ذاكرا لصومه لا يفسد صومه لأنه لو شرب لم يفسد ، فهذا أولى وإن كان ذاكرا فسد صومه عندنا .

وقال ابن أبي ليلى : إن كان وضوءه للصلاة المكتوبة لم يفسد وإن كان للتطوع فسد ، وقال الشافعي : لا يفسد أيهما كان ، وقال بعضهم : إن تمضمض ثلاث مرات فسبق الماء حلقه لم يفسد ، وإن زاد على الثلاث فسد ، وجه قول ابن أبي ليلى أن الوضوء للصلاة المكتوبة فرض ، فكأن المضمضة ، والاستنشاق من ضرورات إكمال الفرض ، فكان الخطأ فيهما عذرا بخلاف صلاة التطوع ، وجه قول من فرق بين الثلاث وما زاد عليه أن السنة فيهما ، والثلاث فكان الخطأ فيهما من ضرورات إقامة السنة فكان عفوا .

وأما الزيادة على الثلاث فمن باب الاعتداء على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم { فمن زاد ، أو نقص فقد تعدى وظلم } فلم يعذر فيه ، والكلام مع الشافعي على نحو ما ذكرنا في الإكراه يؤيد ما ذكرنا أن الماء لا يسبق الحلق في المضمضة ، والاستنشاق عادة إلا عند المبالغة فيهما ، والمبالغة مكروهة في حق الصائم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة { : بالغ في المضمضة ، والاستنشاق إلا أن تكون صائما } فكان في المبالغة متعديا فلم يعذر بخلاف الناسي .

التالي السابق


الخدمات العلمية