بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو أكل أو شرب ما يصلح به البدن ، أما على وجه التغذي أو التداوي متعمدا فعليه القضاء ، والكفارة عندنا .

وقال الشافعي : لا كفارة عليه .

وجه قوله إن وجوب الكفارة ثبت معدولا به عن القياس لأن وجوبها لرفع الذنب ، والتوبة كافية لرفع الذنب ، ولأن الكفارة من باب المقادير ، والقياس لا يهتدي إلى تعيين المقادير ، وإنما عرف وجوبها بالنص ، والنص ورد في الجماع ، والأكل ، والشرب ليسا في معناه لأن الجماع أشد حرمة منهما حتى يتعلق به وجوب الحد دونهما ، فالنص الوارد في الجماع لا يكون واردا في الأكل ، والشرب فيقتصر على مورد النص .

ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أفطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر } ، وعلى المظاهر الكفارة بنص الكتاب ، فكذا على المفطر متعمدا .

ولنا أيضا الاستدلال بالمواقعة ، ، والقياس عليها ، أما الاستدلال بها فهو أن الكفارة في المواقعة وجبت لكونها إفسادا لصوم رمضان من غير عذر ولا سفر على ما نطق به الحديث ، والأكل ، والشرب إفساد لصوم رمضان متعمدا من غير عذر ولا سفر فكان إيجاب الكفارة هناك إيجابا ههنا دلالة ، والدليل على أن الوجوب في المواقعة لما ذكرنا وجهان أحدهما : مجمل ، والآخر : مفسر ، أما المجمل : فالاستدلال بحديث الأعرابي ، ووجهه ما ذكرناه في الخلافيات .

وأما المفسر : فلأن إفساد صوم رمضان ذنب ورفع الذنب واجب عقلا وشرعا لكونه قبيحا ، والكفارة تصلح رافعة له لأنها حسنة .

وقد جاء الشرع بكون الحسنات من التوبة ، والإيمان ، والأعمال الصالحات رافعة للسيئات ، إلا أن الذنوب مختلفة المقادير .

وكذا الروافع لها لا يعلم مقاديرها إلا الشارع للأحكام وهو الله تعالى فمتى ورد [ ص: 99 ] الشرع في ذنب خاص بإيجاب رافع خاص ووجد مثل ذلك الذنب في موضع آخر كان ذلك إيجابا لذلك الرافع فيه ، ويكون الحكم فيه ثابتا بالنص لا بالتعليل ، والقياس والله أعلم وجه القياس على المواقعة فهو أن الكفارة هناك وجبت للزجر عن إفساد صوم رمضان صيانة له في الوقت الشريف ، لأنها تصلح زاجرة ، والحاجة مست إلى الزاجر .

أما الصلاحية فلأن من تأمل أنه لو أفطر يوما من رمضان لزمه إعتاق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لامتنع منه .

وأما الحاجة إلى الزجر فلوجود الداعي الطبيعي إلى الأكل ، والشرب ، والجماع ، وهو شهوة الأكل ، والشرب ، والجماع ، وهذا في الأكل ، والشرب أكثر لأن الجوع ، والعطش يقلل الشهوة ، فكانت الحاجة إلى الزجر عن الأكل ، والشرب أكثر ، فكان شرع الزاجر هناك شرعا ههنا من طريق الأولى ، وعلى هذه الطريقة يمنع عدم جواز إيجاب الكفارة بالقياس لأن الدلائل المقتضية لكون القياس حجة لا تفصل بين الكفارة وغيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية