بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولو أكل أو شرب أو جامع ناسيا أو ذرعه القيء فظن أن ذلك يفطر فأكل بعد ذلك متعمدا ، فعليه القضاء ولا كفارة عليه ، لأن الشبهة ههنا استندت إلى ما هو دليل في الظاهر لوجود المضاد للصوم في الظاهر وهو الأكل والشرب والجماع حتى قال مالك بفساد الصوم بالأكل ناسيا ، وقال أبو حنيفة : لولا قول الناس لقلت له يقضي .

وكذا القيء لأنه لا يخلو عن عود بعضه من الفم إلى الجوف ، فكانت الشبهة في موضع الاشتباه فاعتبرت ، قال محمد : إلا أن يكون بلغه ، أي : بلغه الخبر أن أكل الناسي والقيء لا يفطران ، فتجب الكفارة لأنه ظن في غير موضع الاشتباه فلا يعتبر ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا كفارة عليه سواء بلغه الخبر وعلم أن صومه لم يفسد أو لم يبلغه ولم يعلم .

فإن احتجم فظن أن ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا ، إن استفتى فقيها فأفتاه بأنه قد أفطر فلا كفارة عليه لأن العامي يلزمه تقليد العالم فكانت الشبهة مستندة إلى صورة دليل ، وإن بلغه خبر الحجامة وهو المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أفطر الحاجم والمحجوم } ؟ روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا كفارة عليه لأن ظاهر الحديث واجب العمل به في الأصل فأورث شبهة .

وروي عن أبي يوسف أنه تجب عليه الكفارة لأن الواجب على العامي الاستفتاء من المفتي لا العمل بظواهر الأحاديث ، لأن الحديث قد يكون منسوخا وقد يكون ظاهره متروكا ، فلا يصير ذلك شبهة ، وإن لم يستفت فقيها ولا بلغه الخبر فعليه القضاء والكفارة لأن الحجامة لا تنافي ركن الصوم في الظاهر وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع ، فلم تكن هذه الشبهة مستندة إلى دليل أصلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية