بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ومن واجبات الطواف أن يطوف ماشيا لا راكبا إلا من عذر حتى لو طاف راكبا من غير عذر فعليه الإعادة ما دام بمكة ، وإن عاد إلى أهله يلزمه الدم ، وهذا عندنا وعند الشافعي : ليس بواجب فإذا طاف راكبا من غير عذر لا شيء عليه ، واحتج بما روي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طاف راكبا } .

( ولنا ) قوله تعالى : { وليطوفوا بالبيت العتيق } ، والراكب ليس بطائف حقيقة فأوجب ذلك نقصا فيه فوجب جبره بالدم .

وأما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي أن ذلك كان لعذر كذا روي عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ذلك كان بعد ما أسن ، وبدن ، ويحتمل أنه فعل ذلك لعذر آخر ، وهو التعليم كذا روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس فيسألوه ، ويتعلموا منه ، وهذا عذر ، وعلى هذا أيضا يخرج ما إذا طاف زحفا أنه إن كان عاجزا عن المشي أجزأه ، ولا شيء عليه ; لأن التكليف بقدر الوسع ، وإن كان قادرا عليه الإعادة إن كان بمكة ، والدم إن كان رجع إلى أهله ; لأن الطواف مشيا ، واجب عليه ، ولو أوجب على نفسه أن يطوف بالبيت زحفا ، وهو قادر على المشي عليه أن يطوف ماشيا ; لأنه نذر إيقاع العبادة على وجه غير مشروع فلغت الجهة ، وبقي النذر بأصل العبادة كما إذا نذر أن يطوف للحج على غير طهارة فإن طاف زحفا أعاد إن كان بمكة ، وإن رجع إلى أهله فعليه دم ; لأنه ترك الواجب كذا ذكر في الأصل ، وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه إذا طاف زحفا أجزأه ; لأنه أدى ما أوجب على نفسه فيجزئه كمن نذر أن يصلي ركعتين في الأرض المغصوبة أو يصوم يوم النحر أنه يجب عليه أن يصلي في موضع آخر ويصوم يوما آخر ، ولو صلى في الأرض المغصوبة ، وصام يوم النحر أجزأه ، وخرج عن عهدة النذر كذا هذا ، وعلى هذا أيضا يخرج ما إذا طاف محمولا أنه إن كان لعذر جاز ، ولا شيء عليه ، وإن كان لغير عذر جاز ، ويلزمه الدم ; لأن الطواف ماشيا ، واجب عند القدرة على المشي ، وترك الواجب من غير عذر يوجب الدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية