بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ثم يعود إلى الحجر الأسود فيستلمه ليكون افتتاح السعي بين الصفا ، والمروة باستلام الحجر كما يكون افتتاح الطواف باستلام الحجر الأسود ، والأصل فيه أن كل طواف بعده سعي فإنه يعود بعد الصلاة إلى الحجر وكل طواف لا سعي بعده لا يعود إلى الحجر ، كذا روي عن عمر وابن عمر ، وابن مسعود رضي الله عنهم ، وعن عائشة رضي الله عنها أنه لا يعود ، وإن كان بعده سعي ، وهو قول عمر بن عبد العزيز ، والصحيح أنه يعود ، لما روي عن جابر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه صلى ركعتين خلف المقام ، وقرأ فيهما آيات من سورة البقرة ، وقرأ فيهما { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } ، ورفع صوته يسمع الناس ثم رجع إلى الركن فاستلمه } ، ولأن السعي مرتب على الطواف لا يجوز قبله .

ويكره أن يفصل بين الطواف ، وبين السعي فصار كبعض أشواط الطواف ، والاستلام بين كل شوطين سنة ، وهذا المعنى لا يوجد في طواف لا يكون بعده سعي ; لأنه إذا لم يكن بعده سعي لا يوجد الملحق له بالأشواط فلا يعود إلى الحجر ثم يخرج إلى الصفا لما روى جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم استلم الركن ، وخرج إلى الصفا ، فقال : نبدأ بما بدأ الله به ، وتلا قوله تعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله } } ، ولم يذكر في الكتاب أنه من أي باب يخرج : من باب الصفا ، أو من حيث تيسر له ، وما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من باب الصفا } فذلك ليس على وجه السنة عندنا ، وإنما خرج منه لقربه من الصفا أو لأمر آخر ، ويصعد على الصفا إلى حيث يرى الكعبة فيحول وجهه إليها ويكبر ويهلل ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 149 ] ويدعو الله تعالى بحوائجه ويرفع يديه ، ويجعل بطون كفيه إلى السماء لما روي عن جابر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى على الصفا حتى بدا له البيت ثم كبر ثلاثا ، وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، وجعل يدعو بعد ذلك } ثم يهبط نحو المروة فيمشي على هيئته حتى ينتهي إلى بطن الوادي فإذا كان عند الميل الأخضر في بطن الوادي سعى حتى يجاوز الميل الأخضر فيسعى بين الميلين الأخضرين لحديث جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الدعاء مشى نحو المروة حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، وقال في سعيه : رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأكرم } وكان عمر رضي الله عنه إذا رمل بين الصفا ، والمروة قال : اللهم استعملني بسنة نبيك ، وتوفني على ملته ، وأعذني من عذاب القبر ثم يمشي على هيئته حتى يأتي المروة فيصعد عليها ، ويقوم مستقبل القبلة فيحمد الله تعالى ، ويثني عليه ، ويكبر ، ويهلل ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله تعالى حوائجه فيفعل على المروة مثل ما فعل على الصفا لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فعل ، ويطوف بينهما سبعة أشواط هكذا يبدأ بالصفا ، ويختم بالمروة ، ويسعى في بطن الوادي في كل شوط ، ويعد البداية شوطا ، والعود شوطا آخر خلافا لما قاله الطحاوي إنهما يعدان جميعا شوطا واحدا ، وإنه خلاف ظاهر الرواية لما بينا فيما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية