بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
وأما بيان أفضل أنواع ما يحرم به فظاهر الرواية عن أصحابنا أن القران أفضل ، ثم التمتع ، ثم الإفراد ، وروي عن أبي حنيفة أن الإفراد أفضل من التمتع ، وبه أخذ الشافعي .

وقال مالك : التمتع أفضل .

وذكر محمد في كتاب الرد على أهل المدينة أن حجة كوفية ، وعمرة كوفية أفضل ، احتج الشافعي بما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد بالحج عام حجة الوداع } فدل أن الإفراد أفضل ; إذ هو صلى الله عليه وسلم كان يختار من الأعمال أفضلها .

ولنا أن المشهور { أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج ، والعمرة } رواه عمر وعلي وابن عباس [ ص: 175 ] وجابر وأنس رضي الله عنهم .

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أتاني آت من ربي ، وأنا بالعقيق ، فقال : قم فصل في هذا الوادي المبارك ركعتين ، وقل : لبيك بعمرة في حجة } حتى روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصرخ بها صراخا ، ويقول : لبيك بعمرة في حجة فدل أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا .

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { تابعوا بين الحج والعمرة فإن المتابعة بينهما تزيد في العمر ، وتنفي الفقر } ، ولأن القران ، والتمتع جمع بين عبادتين بإحرامين ، فكان أفضل من إتيان عبادة واحدة بإحرام واحد ، وإنما كان القران أفضل من التمتع ; لأن القارن ، حجته وعمرته آفاقيتان ; لأنه يحرم بكل واحدة منهما من الآفاق ، والمتمتع عمرته آفاقية ، وحجته مكية ; لأنه يحرم بالعمرة من الآفاق ، وبالحجة من مكة .

والحجة الآفاقية أفضل من الحجة المكية لقوله تعالى : { ، وأتموا الحج والعمرة لله } ، وروينا عن علي ، وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك ، وما كان أتم فهو أفضل .

وأما ما رواه الشافعي فالمشهور ما روينا ، والعمل بالمشهور أولى مع ما أن فيما روينا زيادة ليست في روايته .

والزيادة برواية العدل مقبولة على أنا نجمع بين الروايتين على ما هو الأصل عند تعارض الدليلين أنه يعمل بهما بالقدر الممكن ، فنقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قارنا لكنه كان يسمي العمرة والحجة في التلبية بهما مرة ، وكان صلى الله عليه وسلم يلبي بهما لكنه كان يسمي بإحداهما مرة ، إذ تسمية ما يحرم به في التلبية ليس بشرط لصحة التلبية فراوي الإفراد سمعه يسمي الحجة في التلبية فبنى الأمر على الظاهر ، فظنه مفردا فروى الإفراد ، وراوي القران وقف على حقيقة الحال فروى القران .

التالي السابق


الخدمات العلمية