الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

إلف المعصية

[ ص: 57 ]

ومنها : أنه ينسلخ من القلب استقباحها ، فتصير له عادة ، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ، ولا كلامهم فيه .

وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التهتك وتمام اللذة ، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية ، ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها ، فيقول : يا فلان ، عملت كذا وكذا .

وهذا الضرب من الناس لا يعافون ، وتسد عليهم طريق التوبة ، وتغلق عنهم أبوابها في الغالب ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم : كل أمتي معافى إلا المجاهرون ، وإن من الإجهار أن يستر الله على العبد ثم يصبح يفضح نفسه ويقول : يا فلان عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ، فهتك نفسه ، وقد بات يستره ربه .

المعاصي مواريث

ومنها أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل .

فاللوطية : ميراث عن قوم لوط .

وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ، ميراث عن قوم شعيب .

والعلو في الأرض بالفساد ، ميراث عن قوم فرعون .

والتكبر والتجبر ميراث عن قوم هود .

فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم ، وهم أعداء الله .

وقد روى عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه عن مالك بن دينار قال : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك : لا يدخلوا مداخل أعدائي ، ولا يلبسوا ملابس أعدائي ولا يركبوا مراكب أعدائي ، ولا يطعموا مطاعم أعدائي ، فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي .

وفي مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : بعثت بالسيف بين يدي الساعة ، حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية