الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

الشرك في الأفعال والأقوال والإرادات والنيات

ويتبع هذا الشرك الشرك به سبحانه في الأفعال ، والأقوال ، والإرادات ، والنيات ، فالشرك في الأفعال كالسجود لغيره ، والطواف بغير بيته ، وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره ، وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمين الله في الأرض ، وتقبيل القبور واستلامها ، والسجود لها ، وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلي لله فيها ، فكيف بمن اتخذ القبور أوثانا يعبدها من دون الله ؟

ففي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

وفي الصحيح عنه : إن شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد .

وفي الصحيح أيضا عنه : إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك .

وفي مسند الإمام أحمد - رضي الله عنه - وصحيح ابن حبان عنه - صلى الله عليه وسلم - : لعن الله زوارات القبور ، والمتخذين عليها المساجد والسرج .

وقال : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

[ ص: 134 ] وقال : إن من كان قبلكم ، كان إذا مات فيهم الرجل الصالح ، بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة .

فهذا حال من سجد لله في مسجد على قبر ، فكيف حال من سجد للقبر نفسه ؟

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ، وقد حمى النبي - صلى الله عليه وسلم - جانب التوحيد أعظم حماية ، حتى نهى عن صلاة التطوع لله سبحانه عند طلوع الشمس وعند غروبها ؛ لئلا يكون ذريعة إلى التشبه بعباد الشمس الذين يسجدون لها في هاتين الحالتين .

وسد الذريعة بأن منع الصلاة بعد العصر والصبح ؛ لاتصال هذين الوقتين بالوقتين اللذين يسجد المشركون فيهما للشمس .

وأما السجود لغير الله فقال : لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله .

و " لا ينبغي " في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - للذي هو في غاية الامتناع شرعا ، كقوله تعالى : وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا [ سورة مريم : 92 ] .

وقوله : وما ينبغي له [ سورة يس : 69 ] .

وقوله : وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم [ سورة الشعراء : 210 - 211 ] .

وقوله : ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء [ سورة الفرقان : 18 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية