الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

الشرك في اللفظ

ومن الشرك به سبحانه الشرك به في اللفظ ، كالحلف بغيره ، كما رواه أحمد وأبو داود عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من حلف بغير الله فقد أشرك صححه الحاكم وابن حبان .

ومن ذلك قول القائل للمخلوق : ما شاء الله وشئت ، كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له رجل : ما شاء الله وشئت ، فقال : أجعلتني لله ندا ؟ قل ما شاء الله وحده .

[ ص: 135 ] هذا مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة ، كقوله : لمن شاء منكم أن يستقيم [ سورة التكوير : 28 ] .

فكيف بمن يقول : أنا متوكل على الله وعليك ، وأنا في حسب الله وحسبك ، وما لي إلا الله وأنت ، وهذا من الله ومنك ، وهذا من بركات الله وبركاتك ، والله لي في السماء وأنت في الأرض .

أو يقول : والله ، وحياة فلان ، أو يقول نذرا لله ولفلان ، وأنا تائب لله ولفلان ، أو أرجو الله وفلانا ، ونحو ذلك .

فوازن بين هذه الألفاظ وبين قول القائل : ما شاء الله وشئت . ثم انظر أيهما أفحش ، يتبين لك أن قائلها أولى بجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لقائل تلك الكلمة ، وأنه إذا كان قد جعله ندا لله بها ، فهذا قد جعل من لا يداني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من الأشياء - بل لعله أن يكون من أعدائه - ندا لرب العالمين ، فالسجود ، والعبادة ، والتوكل ، والإنابة ، والتقوى ، والخشية ، والحسب ، والتوبة ، والنذر ، والحلف ، والتسبيح ، والتكبير ، والتهليل ، والتحميد ، والاستغفار ، وحلق الرأس خضوعا وتعبدا ، والطواف بالبيت ، والدعاء ، كل ذلك محض حق الله ، لا يصلح ولا ينبغي لسواه : من ملك مقرب ولا نبي مرسل .

وفي مسند الإمام أحمد أن رجلا أتي به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أذنب ذنبا ، فلما وقف بين يديه ، قال : اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد ، فقال : عرف الحق لأهله .

التالي السابق


الخدمات العلمية