صفحة جزء
( خضر ) ( هـ ) فيه إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا وذكر الحديث ، ثم قال : إن الخير لا يأتي إلا بالخير ، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم ، إلا آكلة الخضر ، فإنها أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت ، وإنما هذا المال خضر حلو ، ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل هذا الحديث يحتاج إلى شرح ألفاظه مجتمعة ، فإنه إذا فرق لا يكاد يفهم الغرض منه : الحبط بالتحريك : الهلاك . يقال حبط يحبط حبطا ، وقد تقدم في الحاء . ويلم : يقرب . أي يدنو من الهلاك . والخضر بكسر الضاد : نوع من البقول . ليس من أحرارها وجيدها . وثلط البعير يثلط : إذا ألقى رجيعه سهلا رقيقا . ضرب في هذا الحديث مثلين : أحدهما للمفرط في جمع الدنيا والمنع من حقها ، والآخر للمقتصد في أخذها والنفع بها . فقوله : إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم ، فإنه مثل للمفرط الذي يأخذ الدنيا بغير حقها ، وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر الماشية منه لاستطابتها إياه ، حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حد الاحتمال ، فتنشق أمعاؤها من ذلك فتهلك أو تقارب الهلاك ، وكذلك الذي يجمع الدنيا من غير حلها ويمنعها مستحقها قد تعرض للهلاك في الآخرة بدخول النار ، وفي الدنيا بأذى الناس له وحسدهم إياه ، وغير ذلك من أنواع الأذى . وأما قوله : إلا آكلة الخضر ، فإنه مثل للمقتصد ، وذلك أن الخضر ليس من أحرار البقول وجيدها التي ينبتها الربيع بتوالي أمطاره فتحسن وتنعم ، ولكنه من البقول التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها حيث لا تجد سواها ، وتسميها العرب الجنبة ، فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تستمرئها ، فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ، فهو بنجوة من وبالها ، كما نجت آكلة الخضر ، [ ص: 41 ] ألا تراه قال : أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ، أراد أنها إذا شبعت منها بركت مستقبلة عين الشمس تستمرئ بذلك ما أكلت ، وتجتر وتثلط ، فإذا ثلطت فقد زال عنها الحبط . وإنما تحبط الماشية لأنها تمتلئ بطونها ولا تثلط ولا تبول ، فتنتفخ أجوافها ، فيعرض لها المرض فتهلك . وأراد بزهرة الدنيا حسنها وبهجتها ، وببركات الأرض نماءها وما يخرج من نباتها .

( هـ ) ومنه الحديث إن الدنيا حلوة خضرة أي غضة ناعمة طرية .

ومنه حديث عمر رضي الله عنه اغزوا والغزو حلو خضر أي طري محبوب لما ينزل الله فيه من النصر ويسهل من الغنائم .

( هـ ) وفي حديث علي اللهم سلط عليهم فتى ثقيف الذيال يلبس فروتها ، ويأكل خضرتها أي هنيئها ، فشبهه بالخضر الغض الناعم .

ومنه حديث القبر يملأ عليه خضرا أي نعما غضة .

( هـ ) وفيه تجنبوا من خضرائكم ذوات الريح يعني الثوم والبصل والكراث وما أشبهها .

( هـ ) وفيه أنه نهى عن المخاضرة هي بيع الثمار خضرا لم يبد صلاحها .

ومنه حديث اشتراط المشتري على البائع أنه ليس له مخضار المخضار : أن ينتثر البسر وهو أخضر .

( هـ ) وفي حديث مجاهد ليس في الخضراوات صدقة يعني الفاكهة والبقول . وقياس ما كان في هذا الوزن من الصفات أن لا يجمع هذا الجمع ، وإنما يجمع به ما كان اسما لا صفة ، نحو صحراء ، وخنفساء ، وإنما جمعه هذا الجمع لأنه قد صار اسما لهذه البقول لا صفة ، تقول العرب لهذه البقول : الخضراء . لا تريد لونها .

ومنه الحديث أتي بقدر فيه خضرات بكسر الضاد أي بقول ، واحدها خضرة .

[ ص: 42 ] ( هـ ) وفيه إياكم وخضراء الدمن جاء في الحديث أنها المرأة الحسناء في منبت السوء ، ضرب الشجرة التي تنبت في المزبلة فتجيء خضرة ناعمة ناضرة ، ومنبتها خبيث قذر مثلا للمرأة الجميلة الوجه اللئيمة المنصب .

( هـ ) وفي حديث الفتح مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء يقال : كتيبة خضراء : إذا علب عليها لبس الحديد ، شبه سواده بالخضرة . والعرب تطلق الخضرة على السواد .

ومنه حديث الحارث بن الحكم أنه تزوج امرأة فرآها خضراء فطلقها أي سوداء .

وفي حديث الفتح أبيدت خضراء قريش أي دهماؤهم وسوادهم .

ومنه الحديث الآخر : فأبيدوا خضراءهم .

وفي الحديث ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر الخضراء السماء ، والغبراء الأرض .

( هـ ) وفيه من خضر له في شيء فليلزمه أي بورك له فيه ورزق منه . وحقيقته أن تجعل حالته خضراء .

ومنه الحديث إذا أراد الله بعبد شرا أخضر له في اللبن والطين حتى يبني .

( هـ ) وفي صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان أخضر الشمط أي كانت الشعرات التي قد شابت منه قد اخضرت بالطيب والدهن المروح .

التالي السابق


الخدمات العلمية