صفحة جزء
( أمن ) في أسماء الله تعالى " المؤمن " هو الذي يصدق عباده وعده : فهو من الإيمان : التصديق ، أو يؤمنهم في القيامة من عذابه ، فهو من الأمان ، والأمن ضد الخوف .

( هـ ) وفيه : " نهران مؤمنان ونهران كافران ، أما المؤمنان فالنيل والفرات ، وأما الكافران فدجلة ونهر بلخ " جعلهما مؤمنين على التشبيه ، لأنهما يفيضان على الأرض فيسقيان الحرث بلا مؤونة وكلفة ، وجعل الآخرين كافرين لأنهما لا يسقيان ولا ينتفع بهما إلا بمؤونة وكلفة ، فهذان في الخير والنفع كالمؤمنين ، وهذان في قلة النفع كالكافرين .

( س ) ومنه الحديث : لا يزني الزاني وهو مؤمن قيل معناه النهي وإن كان في صورة الخبر . والأصل حذف الياء من يزني ، أي لا يزن المؤمن ولا يسرق ولا يشرب " فإن هذه الأفعال لا تليق بالمؤمنين . وقيل هو وعيد يقصد به الردع ، كقوله صلى الله عليه وسلم لا إيمان لمن لا أمانة له .

والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده . وقيل معناه لا يزني وهو كامل الإيمان . وقيل : معناه إن الهوى يغطي الإيمان ، فصاحب الهوى لا يرى إلا هواه ولا ينظر إلى إيمانه الناهي له عن ارتكاب [ ص: 70 ] الفاحشة ، فكأن الإيمان في تلك الحالة قد انعدم . وقال ابن عباس رضي الله عنهما " الإيمان نزه فإذا أذنب العبد فارقه " .

( س ) ومنه الحديث الآخر إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة ، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان وكل هذا محمول على المجاز ونفي الكمال دون الحقيقة في رفع الإيمان وإبطاله .

* وفي حديث الجارية أعتقها فإنها مؤمنة إنما حكم بإيمانها بمجرد سؤاله إياها أين الله وإشارتها إلى السماء ، وقوله لها من أنا فأشارت إليه وإلى السماء ، تعني أنت رسول الله . وهذا القدر لا يكفي في ثبوت الإسلام والإيمان دون الإقرار بالشهادتين والتبرؤ من سائر الأديان . وإنما حكم بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم رأى منها أمارة الإسلام ، وكونها بين المسلمين وتحت رق المسلم . وهذا القدر يكفي علما لذلك ، فإن الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم يقتصر منه على قوله إني مسلم حتى يصف الإسلام بكماله وشرائطه ، فإذا جاءنا من يجهل حاله في الكفر والإيمان ، فقال إني مسلم قبلناه ، فإذا كان عليه أمارة الإسلام من هيئة وشارة : أي حسن ودار كان قبول قوله أولى ، بل نحكم عليه بالإسلام وإن لم يقل شيئا .

* وفيه : ما من نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي أي آمنوا عند معاينة ما أتاهم الله من الآيات والمعجزات . وأراد بالوحي إعجاز القرآن الذي خص به ، فإنه ليس شيء من كتب الله تعالى المنزلة كان معجزا إلا القرآن .

( هـ ) وفي حديث عقبة بن عامر " أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص " كأن هذا إشارة إلى جماعة آمنوا معه خوفا من السيف ، وأن عمرا كان مخلصا في إيمانه . وهذا من العام الذي يراد به الخاص .

* وفي الحديث النجوم أمنة السماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد " أراد بوعد السماء انشقاقها وذهابها يوم القيامة . وذهاب النجوم تكويرها وانكدارها وإعدامها . وأراد بوعد أصحابه ما وقع بينهم من الفتن . وكذلك أراد بوعد الأمة . والإشارة في الجملة [ ص: 71 ] إلى مجيء الشر عند ذهاب أهل الخير ، فإنه لما كان بين أظهرهم كان يبين لهم ما يختلفون فيه ، فلما توفي جالت الآراء واختلفت الأهواء ، فكان الصحابة رضي الله عنهم يسندون الأمر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قول أو فعل أو دلالة حال ، فلما فقد قلت الأنوار وقويت الظلم . وكذلك حال السماء عند ذهاب النجوم . والأمنة في هذا الحديث جمع أمين وهو الحافظ .

* وفي حديث نزول المسيح عليه السلام وتقع الأمنة في الأرض الأمنة هاهنا الأمن ، كقوله تعالى : إذ يغشاكم النعاس أمنة منه يريد أن الأرض تمتلئ بالأمن فلا يخاف أحد من الناس والحيوان .

( هـ ) وفي الحديث المؤذن مؤتمن ( مؤتمن ) القوم : الذي يثقون إليه ويتخذونه أمينا حافظا . يقال اؤتمن الرجل فهو مؤتمن ، يعني أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم .

* وفيه : المجالس بالأمانة هذا ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قول أو فعل " فكأن ذلك أمانة عند من سمعه أو رآه . والأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة والأمان ، وقد جاء في كل منها حديث .

( هـ ) وفيه : الأمانة غنى أي سبب الغنى . ومعناه أن الرجل إذا عرف بها كثر معاملوه فصار ذلك سببا لغناه .

* وفي حديث أشراط الساعة والأمانة مغنما أي يرى من في يده أمانة أن الخيانة فيها غنيمة قد غنمها .

* وفيه : الزرع أمانة والتاجر فاجر جعل الزرع أمانة لسلامته من الآفات التي تقع في التجارة من التزيد في القول والحلف وغير ذلك .

( س ) وفيه : أستودع الله دينك وأمانتك أي أهلك ومن تخلفه بعدك منهم ، ومالك الذي تودعه وتستحفظه أمينك ووكيلك .

( س ) وفيه : من حلف بالأمانة فليس منا يشبه أن تكون الكراهة فيه لأجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله وصفاته . والأمانة أمر من أموره ، فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء [ ص: 72 ] الله تعالى ، كما نهوا أن يحلفوا بآبائهم . وإذا قال الحالف : وأمانة الله كانت يمينا عند أبي حنيفة ، والشافعي رضي الله عنهما لا يعدها يمينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية