صفحة جزء
( رقى ) فيه ما كنا نأبنه برقية قد تكرر ذكر الرقية والرقى والرقي والاسترقاء في الحديث . والرقية : العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات . وقد جاء في بعض الأحاديث جوازها ، وفي بعضها النهي عنها : [ ص: 255 ] ( س ) فمن الجواز قوله استرقوا لها فإن بها النظرة أي اطلبوا لها من يرقيها .

( س ) ومن النهي قوله لا يسترقون ولا يكتوون والأحاديث في القسمين كثيرة ، ووجه الجمع بينهما أن الرقى يكره منها ما كان بغير اللسان العربي ، وبغير أسماء الله - تعالى - وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة ، وأن يعتقد أن الرقيا نافعة لا محالة فيتكل عليها ، وإياها أراد بقوله ما توكل من استرقى ولا يكره منها ما كان في خلاف ذلك ; كالتعوذ بالقرآن وأسماء الله - تعالى - والرقى المروية ، ولذلك قال للذي رقى بالقرآن وأخذ عليه أجرا : من أخذ برقية باطل فقد أخذت برقية حق .

( س ) وكقوله في حديث جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال : اعرضوها علي ، فعرضناها فقال : لا بأس بها ، إنما هي مواثيق كأنه خاف أن يقع فيها شيء مما كانوا يتلفظون به ويعتقدونه من الشرك في الجاهلية ، وما كان بغير اللسان العربي ، مما لا يعرف له ترجمة ولا يمكن الوقوف عليه فلا يجوز استعماله .

( س ) وأما قوله لا رقية إلا من عين أو حمة فمعناه لا رقية أولى وأنفع . وهذا كما قيل : لا فتى إلا علي . وقد أمر عليه الصلاة والسلام غير واحد من أصحابه بالرقية . وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم .

( س ) وأما الحديث الآخر في صفة أهل الجنة الذين يدخلونها بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون فهذا من صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا الذين لا يلتفتون إلى شيء من علائقها . وتلك درجة الخواص لا يبلغها غيرهم ، فأما العوام فمرخص لهم في التداوي والمعالجات ، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص والأولياء ، ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج والدواء ، ألا ترى أن الصديق لما تصدق بجميع ماله لم ينكر عليه ، علما منه بيقينه وصبره ، ولما أتاه الرجل بمثل بيضة الحمام من الذهب وقال : لا أملك غيره . ضربه به ، بحيث لو أصابه عقره ، وقال فيه ما قال .

( س ) وفي حديث استراق السمع ولكنهم يرقون فيه أي يتزيدون . يقال : رقى فلان على الباطل : إذا تقول ما لم يكن وزاد فيه ، وهو من الرقي : الصعود والارتفاع . يقال : رقي يرقى [ ص: 256 ] رقيا . ورقى ، شدد للتعدية إلى المفعول . وحقيقة المعنى أنهم يرتفعون إلى الباطل ويدعون فوق ما يسمعونه .

ومنه الحديث كنت رقاء على الجبال أي صعادا عليها . وفعال للمبالغة .

التالي السابق


الخدمات العلمية