صفحة جزء
( سلم ‏ ) ‏ * في أسماء الله تعالى " السلام " قيل معناه سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء . والسلام في الأصل السلامة‏ . ‏ يقال سلم يسلم سلامة وسلاما‏ . ‏ ومنه قيل للجنة دار السلام ، لأنها دار السلامة من الآفات .

‏ ( ‏س‏ ) ‏ ومنه الحديث " ثلاثة كلهم ضامن على الله ، أحدهم من يدخل بيته بسلام " أراد أن يلزم بيته طلبا للسلامة من الفتن ورغبة في العزلة‏ . ‏ وقيل أراد أنه إذا دخل بيته سلم‏ . ‏ والأول أوجه .

[ ص: 393 ] ‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفي حديث التسليم " قل السلام عليك ، فإن عليك السلام تحية الموتى " هذا إشارة إلى ما جرت به عادتهم في المراثي ، كانوا يقدمون ضمير الميت على الدعاء له كقوله :

عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق

وكقول الآخر‏ : ‏

عليك سلام الله قيس بن عاصم     ورحمته ما شاء أن يترحما

* وإنما فعلوا ذلك لأن المسلم على القوم يتوقع الجواب ، وأن يقال له عليك السلام ، فلما كان الميت لا يتوقع منه جواب جعلوا السلام عليه كالجواب‏ . ‏ وقيل‏ : ‏ أراد بالموتى كفار الجاهلية .

* وهذا في الدعاء بالخير والمدح ، فأما في الشر والذم فيقدم الضمير كقوله تعالى وإن عليك لعنتي وقوله‏ : ‏ عليهم دائرة السوء ‏ * والسنة لا تختلف في تحية الأموات والأحياء‏ . ‏ ويشهد له الحديث الصحيح أنه كان إذا دخل القبور قال : ‏ ; سلام عليكم دار قوم مؤمنين " .

* والتسليم مشتق من السلام اسم الله تعالى لسلامته من العيب والنقص . ‏ وقيل معناه أن الله مطلع عليكم فلا تغفلوا‏ . ‏ وقيل معناه اسم السلام عليك‏ : ‏ أي اسم الله عليك ، إذا كان اسم الله يذكر على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتفاء عوارض الفساد عنه‏ . ‏ وقيل معناه سلمت مني فاجعلني أسلم منك ، من السلامة بمعنى السلام .

* ويقال السلام عليكم ، وسلام عليكم ، وسلام ، بحذف عليكم ، ولم يرد في القرآن غالبا إلا منكرا كقوله تعالى سلام عليكم بما صبرتم فأما في تشهد الصلاة فيقال فيه معرفا ومنكرا ، والظاهر الأكثر من مذهب الشافعي رحمه الله أنه اختار التنكير ، وأما في السلام الذي يخرج به من الصلاة فروى الربيع عنه أنه لا يكفيه إلا معرفا ، فإنه قال‏ : ‏ أقل ما يكفيه أن يقول السلام عليكم ، فإن نقص من هذا حرفا عاد فسلم‏ . ‏ ووجهه أن يكون أراد بالسلام اسم الله تعالى ، فلم يجز حذف الألف واللام منه ، وكانوا يستحسنون أن يقولوا في الأول سلام عليكم ، وفي الآخر السلام عليكم ، وتكون الألف واللام للعهد . ‏ يعني السلام الأول .

[ ص: 394 ] ‏ * وفي حديث عمران بن حصين " كان يسلم علي حتى اكتويت " يعني أن الملائكة كانت تسلم عليه ، فلما اكتوى بسبب مرضه تركوا السلام عليه ; لأن الكي يقدح في التوكل والتسليم إلى الله والصبر على ما يبتلى به العبد وطلب الشفاء من عنده ، وليس ذلك قادحا في جواز الكي ولكنه قادح في التوكل ، وهي درجة عالية وراء مباشرة الأسباب‏ .

‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفي حديث الحديبية " أنه أخذ ثمانين من أهل مكة سلما " يروى بكسر السين وفتحها ، وهما لغتان في الصلح ، وهو المراد في الحديث على ما فسره الحميدي في غريبه‏ . ‏ وقال الخطابي‏ : ‏ أنه السلم بفتح السين واللام ، يريد الاستسلام والإذعان ، كقوله تعالى وألقوا إليكم السلم أي الانقياد ، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجميع‏ . ‏ وهذا هو الأشبه بالقضية ; فإنهم لم يؤخذوا عن صلح ، وإنما أخذوا قهرا وأسلموا أنفسهم عجزا ، وللأول وجه ، وذلك أنهم لم تجر معهم حرب ، وإنما لما عجزوا عن دفعهم أو النجاة منهم رضوا أن يؤخذوا أسرى ولا يقتلوا ، فكأنهم قد صولحوا على ذلك فسمي الانقياد صلحا وهو السلم‏ .

* ومنه كتابه بين قريش والأنصار " وإن سلم المؤمنين واحد لا يسالم مؤمن دون مؤمن " أي لا يصالح واحد دون أصحابه ، وإنما يقع الصلح بينهم وبين عدوهم باجتماع ملئهم على ذلك‏ .

( هـ ) ‏ ومن الأول حديث أبي قتادة " لآتينك برجل سلم " أي أسير لأنه استسلم وانقاد .

* وفيه " أسلم سالمها الله " هو من المسالمة وترك الحرب . ‏ ويحتمل أن يكون دعاء وإخبارا‏ : ‏ إما دعاء لها أن يسالمها الله ولا يأمر بحربها ، أو أخبر أن الله قد سالمها ومنع من حربها .

* وفيه المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه يقال‏ : ‏ أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه ، وهو عام في كل من أسلمته إلى شيء ، لكن دخله التخصيص ، وغلب عليه الإلقاء في الهلكة .

* ومنه الحديث " إني وهبت لخالتي غلاما ، فقلت لها لا تسلميه حجاما ولا صائغا ولا قصابا " أي لا تعطيه لمن يعلمه إحدى هذه الصنائع ، إنما كره الحجام والقصاب لأجل النجاسة التي يباشرانها مع تعذر الاحتراز ، وأما الصائغ فلما يدخل صنعته من الغش ، ولأنه يصوغ الذهب [ ص: 395 ] والفضة ، وربما كان من آنية أو حلي للرجال وهو حرام ، ولكثرة الوعد والكذب في إنجاز ما يستعمل عنده .

‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفيه ما من آدمي إلا ومعه شيطان ، قيل : ومعك ؟ قال : نعم ، ولكن الله أعانني عليه فأسلم وفي رواية حتى أسلم أي انقاد وكف عن وسوستي‏ . ‏ وقيل دخل في الإسلام فسلمت من شره‏ . ‏ وقيل إنما هو فأسلم بضم الميم ، على أنه فعل مستقبل : أي أسلم أنا منه ومن شره . ‏ ويشهد للأول‏ : ‏ ( ‏س‏ ) ‏ الحديث الآخر " كان شيطان آدم كافرا وشيطاني مسلما " * وفي حديث ابن مسعود " أنا أول من أسلم " يعني من قومه ، كقوله تعالى عن موسى عليه السلام وأنا أول المؤمنين يعني مؤمني زمانه ، فإن ابن مسعود لم يكن أول من أسلم ، وإن كان من السابقين الأولين‏ .

( هـ ) ‏ وفيه " كان يقول إذا دخل شهر رمضان : اللهم سلمني من رمضان وسلم رمضان لي وسلمه مني " قوله سلمني منه أي لا يصيبني فيه ما يحول بيني وبين صومه من مرض أو غيره‏ . ‏ وقوله سلمه لي‏ : ‏ هو أن لا يغم عليه الهلال في أوله أو آخره فيلتبس عليه الصوم والفطر . ‏ وقوله وسلمه مني‏ : ‏ أي يعصمه من المعاصي فيه .

* وفي حديث الإفك " وكان علي مسلما في شأنها " أي سالما لم يبد بشيء من أمرها‏ . ‏ ويروى بكسر اللام : ‏ أي مسلما للأمر ، والفتح أشبه‏ : ‏ أي أنه لم يقل فيها سوءا .

‏ ( ‏ هـ س‏ ) ‏ وفي حديث الطواف " أنه أتى الحجر فاستلمه " هو افتعل من السلام : ‏ التحية . ‏ وأهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيا‏ : ‏ أي أن الناس يحيونه بالسلام‏ . ‏ وقيل هو افتعل من السلام وهي الحجارة ، واحدتها سلمة بكسر اللام . يقال استلم الحجر إذا لمسه وتناوله‏ .

‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفي حديث جرير " بين سلم وأراك " السلم شجر من العضاه واحدتها سلمة بفتح اللام ، وورقها القرظ الذي يدبغ به‏ . ‏ وبها سمي الرجل سلمة ، وتجمع على سلمات .

* ومنه حديث ابن عمر " أنه كان يصلي عند سلمات في طريق مكة " ‏ . ‏ ويجوز أن يكون بكسر اللام جمع سلمة وهي الحجر .

[ ص: 396 ] ‏ ( هـ ) ‏ وفيه على كل سلامى من أحدكم صدقة السلامى‏ : ‏ جمع سلامية وهي الأنملة من أنامل الأصابع‏ . ‏ وقيل واحده وجمعه سواء . ‏ ويجمع على سلاميات وهي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان‏ . ‏ وقيل السلامى‏ : ‏ كل عظم مجوف من صغار العظام‏ : ‏ المعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة . ‏ وقيل‏ : ‏ إن آخر ما يبقى فيه المخ من البعير إذا عجف السلامى والعين‏ . ‏ قال أبو عبيد‏ : ‏ هو عظم يكون في فرسن البعير .

( هـ ) ‏ ومنه حديث خزيمة في ذكر السنة " حتى آل السلامى " أي رجع إليه المخ .

* وفيه " من تسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره " يقال أسلم وسلم إذا أسلف‏ . ‏ والاسم السلم ، وهو أن تعطي ذهبا أو فضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم ، فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة وسلمته إليه‏ . ‏ ومعنى الحديث أن يسلف مثلا في بر فيعطيه المستسلف غيره من جنس آخر ، فلا يجوز له أن يأخذه . ‏ قال القتيبي‏ : ‏ لم أسمع تفعل من السلم إذا دفع إلا في هذا .

* ومنه حديث ابن عمر " كان يكره أن يقال : السلم بمعنى السلف ، ويقول الإسلام لله عز وجل " كأنه ضن بالاسم الذي هو موضوع للطاعة والانقياد لله عن أن يسمى به غيره ، وأن يستعمله في غير طاعة الله ، ويذهب به إلى معنى السلف‏ . ‏ وهذا من الإخلاص باب لطيف المسلك . ‏ وقد تكرر ذكر السلم في الحديث .

‏ ( ‏س‏ ) ‏ وفيه " أنهم مروا بماء فيه سليم ، فقالوا : هل فيكم من راق " السليم اللديغ . ‏ يقال سلمته الحية أي لدغته‏ . ‏ وقيل إنما سمي سليما تفاؤلا بالسلامة ، كما قيل للفلاة المهلكة مفازة .

* وفي حديث خيبر ذكر " السلالم " هي بضم السين ، وقيل بفتحها‏ : ‏ حصن من حصون خيبر‏ . ‏ ويقال فيه أيضا السلاليم‏ .

التالي السابق


الخدمات العلمية