صفحة جزء
( غرر ) ( هـ ) فيه " أنه جعل في الجنين غرة عبدا أو أمة " الغرة : العبد نفسه أو الأمة ، وأصل الغرة : البياض الذي يكون في وجه الفرس ، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول : الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء ، وسمي غرة لبياضه ، فلا يقبل في الدية عبد أسود ولا جارية سوداء . وليس ذلك شرطا عند الفقهاء ، وإنما الغرة عندهم ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء .

وإنما تجب الغرة في الجنين إذا سقط ميتا ، فإن سقط حيا ثم مات ففيه الدية كاملة .

وقد جاء في بعض روايات الحديث " بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل " .

وقيل : إن الفرس والبغل غلط من الراوي .

[ ص: 354 ] * وفي حديث ذي الجوشن " ما كنت لأقيضه اليوم بغرة " سمى الفرس في هذا الحديث غرة ، وأكثر ما يطلق على العبد والأمة . ويجوز أن يكون أراد بالغرة النفيس من كل شيء ، فيكون التقدير : ما كنت لأقيضه بالشيء النفيس المرغوب فيه .

( س ) ومنه الحديث " غر محجلون من آثار الوضوء " الغر : جمع الأغر ، من الغرة : بياض الوجه ، يريد بياض وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة .

( هـ ) ومنه الحديث " في صوم الأيام الغر " أي البيض الليالي بالقمر ، وهي ثالث عشر ، ورابع عشر ، وخامس عشر .

( هـ ) ومنه الحديث " إياكم ومشارة الناس ، فإنها تدفن الغرة وتظهر العرة " الغرة هاهنا : الحسن والعمل الصالح ، شبهه بغرة الفرس ، وكل شيء ترفع قيمته فهو غرة .

[ هـ ] ومنه الحديث " عليكم بالأبكار فإنهن أغر غرة " يحتمل أن يكون من غرة البياض وصفاء اللون ، ويحتمل أن يكون من حسن الخلق والعشرة ، ويؤيده الحديث الآخر : [ هـ ] " عليكم بالأبكار فإنهن أغر أخلاقا " أي أنهن أبعد من فطنة الشر ومعرفته ، من الغرة : الغفلة .

( هـ ) ومنه الحديث " ما أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلا إلا غنما وردت فرمي أولها فنفر آخرها " غرة الإسلام : أوله ، وغرة كل شيء : أوله .

وفي حديث علي " اقتلوا الكلب الأسود ذا الغرتين " هما النكتتان البيضاوان فوق عينيه .

( س [ هـ ] ) وفيه " المؤمن غر كريم " أي ليس بذي نكر ، فهو ينخدع لانقياده ولينه ، وهو ضد الخب . يقال : فتى غر وفتاة غر ، وقد غررت تغر غرارة . يريد أن المؤمن [ ص: 355 ] المحمود من طبعه الغرارة ، وقلة الفطنة للشر ، وترك البحث عنه ، وليس ذلك منه جهلا ، ولكنه كرم وحسن خلق .

* ومنه حديث الجنة " يدخلني غرة الناس " أي البله الذين لم يجربوا الأمور ، فهم قليلو الشر منقادون ، فإن من آثر الخمول وإصلاح نفسه والتزود لمعاده ، ونبذ أمور الدنيا فليس غرا فيما قصد له ، ولا مذموما بنوع من الذم .

[ هـ ] ومنه حديث ظبيان " إن ملوك حمير ملكوا معاقل الأرض وقرارها ، ورءوس الملوك وغرارها " الغرار والأغرار : جمع الغر .

( س ) ومنه حديث ابن عمر " إنك ما أخذتها بيضاء غريرة " هي الشابة الحديثة التي لم تجرب الأمور .

( س ) وفيه " أنه قاتل محارب بن خصفة " فرأوا من المسلمين غرة فصلى صلاة الخوف الغرة : الغفلة : أي كانوا غافلين عن حفظ مقامهم ، وما هم فيه من مقابلة العدو .

* ومنه الحديث " أنه أغار على بني المصطلق وهم غارون " أي غافلون .

* ومنه حديث عمر " كتب إلى أبي عبيدة أن لا يمضي أمر الله إلا بعيد الغرة حصيف العقدة " أي من بعد حفظه لغفلة المسلمين .

( هـ ) وفي حديث عمر " لا تطرقوا النساء ولا تغتروهن " أي لا تدخلوا إليهن على غرة . يقال : اغتررت الرجل إذا طلبت غرته ، أي غفلته .

( س ) ومنه حديث سارق أبي بكر " عجبت من غرته بالله عز وجل " أي اغتراره .

( هـ س ) وفيه " أنه نهى عن بيع الغرر " هو ما كان له ظاهر يغر المشتري ، وباطن مجهول .

وقال الأزهري : بيع الغرر : ما كان على غير عهدة ولا ثقة ، وتدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان ، من كل مجهول . وقد تكرر في الحديث .

( هـ ) ومنه حديث مطرف " إن لي نفسا واحدة ، وإني أكره أن أغرر بها " [ ص: 356 ] أي أحملها على غير ثقة ، وبه سمي الشيطان غرورا ، لأنه يحمل الإنسان على محابه ، ووراء ذلك ما يسوء .

* ومنه حديث الدعاء " وتعاطى ما نهيت عنه تغريرا " أي مخاطرة وغفلة عن عاقبة أمره .

* ومنه الحديث " لأن أغتر بهذه الآية ولا أقاتل ، أحب إلي من أن أغتر بهذه الآية " يريد قوله تعالى : فقاتلوا التي تبغي وقوله : ومن يقتل مؤمنا متعمدا المعنى أن أخاطر بتركي مقتضى الأمر بالأولى أحب إلي من أن أخاطر بالدخول تحت الآية الأخرى .

( هـ ) ومنه حديث عمر " أيما رجل بايع آخر فإنه لا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا " التغرة : مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر ، وهي من التغرير ، كالتعلة من التعليل . وفي الكلام مضاف محذوف تقديره : خوف تغرة أن يقتلا : أي خوف وقوعها في القتل ، فحذف المضاف الذي هو الخوف ، وأقام المضاف إليه الذي هو تغرة مقامه ، وانتصب على أنه مفعول له .

ويجوز أن يكون قوله " أن يقتلا " بدلا من " تغرة " ويكون المضاف محذوفا كالأول .

ومن أضاف " تغرة " إلى " يقتلا " فمعناه خوف تغرته قتلهما .

ومعنى الحديث : أن البيعة حقها أن تقع صادرة عن المشورة والاتفاق ، فإذا استبد رجلان دون الجماعة فبايع أحدهما الآخر ، فذلك تظاهر منهما بشق العصا واطراح الجماعة ، فإن عقد لأحد بيعة فلا يكون المعقود له واحدا منهما ، وليكونا معزولين من الطائفة التي تتفق على تمييز الإمام منها ; لأنه إن عقد لواحد منهما وقد ارتكبا تلك الفعلة الشنيعة التي أحفظت الجماعة ، من التهاون بهم والاستغناء عن رأيهم لم يؤمن أن يقتلا .

( س ) ومنه حديث عمر " أنه قضى في ولد المغرور بغرة " هو الرجل يتزوج امرأة على أنها حرة فتظهر مملوكة ، فيغرم الزوج لمولى الأمة غرة عبدا أو أمة ، ويرجع بها على من غره ، ويكون ولده حرا .

( هـ ) وفيه " لا غرار في صلاة ولا تسليم " الغرار : النقصان . وغرار النوم : قلته . [ ص: 357 ] ويريد بغرار الصلاة نقصان هيآتها وأركانها . وغرار التسليم : أن يقول المجيب : وعليك ، ولا يقول : السلام .

وقيل : أراد بالغرار النوم : أي ليس في الصلاة نوم .

" والتسليم " يروى بالنصب والجر ، فمن جره كان معطوفا على الصلاة كما تقدم ، ومن نصب كان معطوفا على الغرار ، ويكون المعنى : لا نقص ولا تسليم في صلاة ; لأن الكلام في الصلاة بغير كلامها لا يجوز .

( هـ ) ومنه الحديث الآخر " لا تغار التحية " أي لا ينقص السلام .

* وحديث الأوزاعي " كانوا لا يرون بغرار النوم بأسا " أي لا ينقض قليل النوم الوضوء .

( هـ ) وفي حديث عائشة تصف أباها " فقالت : رد نشر الإسلام على غره " أي على طيه وكسره . يقال : اطو الثوب على غره الأول كما كان مطويا ، أرادت تدبيره أمر الردة ومقابلة دائها بدوائها .

* وفي حديث معاوية " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغر عليا بالعلم " أي يلقمه إياه . يقال : غر الطائر فرخه إذا زقه .

* ومنه حديث علي " من يطع الله يغره كما يغر الغراب بجه " أي : فرخه .

* ومنه حديث ابن عمر ، وذكر الحسن والحسين - رضي الله عنهم - فقال : " إنما كانا يغران العلم غرا " .

* وفي حديث حاطب " كنت غريرا فيهم " أي ملصقا ملازما لهم .

قال بعض المتأخرين : هكذا الرواية . والصواب من جهة العربية " كنت غريا " أي ملصقا . يقال : غري فلان بالشيء إذا لزمه . ومنه الغراء الذي يلصق به . قال : وذكره الهروي في العين المهملة ، وقال " كنت عريرا " : أي غريبا . وهذا تصحيف منه .

[ ص: 358 ] قلت : أما الهروي فلم يصحف ولا شرح إلا الصحيح ، فإن الأزهري والجوهري والخطابي والزمخشري ذكروا هذه اللفظة بالعين المهملة في تصانيفهم وشرحوها بالغريب ، وكفاك بواحد منهم حجة للهروي فيما روى وشرح .

التالي السابق


الخدمات العلمية