صفحة جزء
( هجر ) ( س ) فيه لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية .

( س ) وفي حديث آخر " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة " الهجرة في الأصل : الاسم من الهجر ، ضد الوصل . وقد هجره هجرا وهجرانا ، ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض ، وترك الأولى للثانية . يقال منه : هاجر مهاجرة .

والهجرة هجرتان : إحداهما التي وعد الله عليها الجنة في قوله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة فكان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويدع أهله وماله ، لا يرجع في شيء منه ، وينقطع بنفسه إلى مهاجره ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يموت الرجل بالأرض التي هاجر منها ، فمن ثم قال : " لكن البائس سعد بن خولة " ، يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة . وقال حين قدم مكة : " اللهم لا تجعل منايانا بها " . فلما فتحت مكة صارت دار إسلام كالمدينة ، وانقطعت الهجرة .

والهجرة الثانية : من هاجر من الأعراب وغزا مع المسلمين ، ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى ، فهو مهاجر ، وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة ، وهو المراد بقوله : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة " .

فهذا وجه الجمع بين الحديثين . وإذا أطلق في الحديث ذكر الهجرتين فإنما يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة المدينة .

* ومنه الحديث " ستكون هجرة بعد هجرة ، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم " المهاجر ، بفتح الجيم : موضع المهاجرة ، ويريد به الشام ; لأن إبراهيم عليه السلام لما خرج من أرض العراق مضى إلى الشام وأقام به .

[ ص: 245 ] ( ه ) وفي حديث عمر " هاجروا ولا تهجروا " أي أخلصوا الهجرة لله ، ولا تتشبهوا بالمهاجرين على غير صحة منكم . يقال : تهجر وتمهجر ، إذا تشبه بالمهاجرين .

وقد تكرر ذكر هذه الكلمة في الحديث ، اسما وفعلا ، ومفردا وجمعا .

( س ) وفيه " لا هجرة بعد ثلاث " يريد به الهجر ضد الوصل . يعني فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة ، أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة ، دون ما كان من ذلك في جانب الدين ، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مر الأوقات ، ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق ، فإنه صلى الله عليه وسلم لما خاف على كعب بن مالك وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن غزوة تبوك أمر بهجرانهم خمسين يوما . وقد هجر نساءه شهرا ، وهجرت عائشة ابن الزبير مدة وهجر جماعة من الصحابة جماعة منهم وماتوا متهاجرين . ولعل أحد الأمرين منسوخ بالآخر .

( ه ) ومنه الحديث " من الناس من لا يذكر الله إلا مهاجرا " يريد هجران القلب وترك الإخلاص في الذكر . فكأن قلبه مهاجر للسانه غير مواصل له .

* ومنه حديث أبي الدرداء " ولا يسمعون القرآن إلا هجرا " يريد الترك له والإعراض عنه . يقال : هجرت الشيء هجرا إذا تركته وأغفلته .

ورواه ابن قتيبة في كتابه " ولا يسمعون القول إلا هجرا " بالضم . وقال : هو الخنا والقبيح من القول .

قال الخطابي : هذا غلط في الرواية والمعنى ، فإن الصحيح من الرواية " ولا يسمعون القرآن " . ومن رواه " القول " فإنما أراد به القرآن ، فتوهم أنه أراد به قول الناس . والقرآن ليس من الخنا والقبيح من القول .

( ه ) وفيه كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا أي فحشا . يقال : أهجر في منطقه يهجر إهجارا ، إذا أفحش . وكذلك إذا أكثر الكلام فيما لا ينبغي . والاسم : الهجر ، بالضم . وهجر يهجر هجرا ، بالفتح ، إذا خلط في كلامه ، وإذا هذى .

[ ص: 246 ] ( ه ) ومنه الحديث " إذا طفتم بالبيت فلا تلغوا ولا تهجروا " يروى بالضم والفتح ، من الفحش والتخليط .

( س ) ومنه حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم " قالوا : ما شأنه ؟ أهجر ؟ " أي اختلف كلامه بسبب المرض ، على سبيل الاستفهام . أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض ؟ وهذا أحسن ما يقال فيه ، ولا يجعل إخبارا ، فيكون إما من الفحش أو الهذيان . والقائل كان عمر ، ولا يظن به ذلك .

( ه ) وفيه " لو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه " التهجير : التبكير إلى كل شيء والمبادرة إليه . يقال : هجر يهجر تهجيرا ، فهو مهجر ، وهي لغة حجازية ، أراد المبادرة إلى أول وقت الصلاة .

( ه ) وفي حديث الجمعة " فالمهجر إليها كالمهدي بدنة " أي المبكر إليها . وقد تكررت في الحديث .

* وفيه " أنه كان يصلي الهجير حين تدحض الشمس " أراد صلاة الهجير ، يعني الظهر ، فحذف المضاف . والهجير والهاجرة : اشتداد الحر نصف النهار . والهجير ، والتهجر ، والإهجار : السير في الهاجرة ، وقد هجر النهار ، وهجر الراكب ، فهو مهجر .

* ومنه حديث زيد بن عمرو " وهل مهجر كمن قال ؟ " أي هل من سار في الهاجرة كمن أقام في القائلة ؟ وقد تكرر في الحديث ، على اختلاف تصرفه .

* وفي حديث معاوية " ماء نمير ولبن هجير " أي فائق فاضل . يقال : هذا أهجر من هذا : أي أفضل منه . ويقال في كل شيء .

( ه ) وفي حديث عمر " ما له هجيرى غيرها " الهجير والهجيرى : الدأب والعادة والديدن .

( س ) وفي حديثه أيضا " عجبت لتاجر هجر وراكب البحر " هجر : اسم بلد معروف بالبحرين ، وهو مذكر مصروف ، وإنما خصها لكثرة وبائها . أي إن تاجرها وراكب البحر سواء في الخطر .

[ ص: 247 ] فأما هجر التي تنسب إليها القلال الهجرية فهي قرى المدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية