صفحة جزء
[ ثني ]

ثني : ثنى الشيء ثنيا : رد بعضه على بعض ، وقد تثنى وانثنى . وأثناؤه ومثانيه : قواه وطاقاته ، واحدها ثني ومثناة ومثناة ; عن ثعلب . وأثناء الحية : مطاويها إذا تحوت . وثني الحية : انثناؤها ، وهو أيضا ما تعوج منها إذا تثنت ، والجمع أثناء ; واستعاره غيلان الربعي لليل فقال :


حتى إذا شق بهيم الظلماء وساق ليلا مرجحن الأثناء

وهو على القول الآخر اسم . وفي صفة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس بالطويل المتثني ; هو الذاهب طولا ، وأكثر ما يستعمل في طويل لا عرض له . وأثناء الوادي : معاطفه وأجراعه . والثني من الوادي والجبل : منقطعه . ومثاني الوادي ومحانيه : معاطفه . وتثنى في مشيته . والثني : واحد أثناء الشيء أي : تضاعيفه ; تقول : أنفذت كذا ثني كتابي أي : في طيه . وفي حديث عائشة تصف أباها - رضي الله عنهما - : فأخذ بطرفيه وربق لكم أثناءه ، أي : ما انثنى منه ، واحدها ثني ، وهي معاطف الثوب وتضاعيفه . وفي حديث أبي هريرة : كان يثنيه عليه أثناء من سعته ، يعني ثوبه . وثنيت الشيء ثنيا : عطفته . وثناه أي : كفه . ويقال : جاء ثانيا من عنانه . وثنيته أيضا : صرفته عن حاجته ، وكذلك إذا صرت له ثانيا . وثنيته تثنية أي : جعلته اثنين . وأثناء الوشاح : ما انثنى منه ; ومنه قوله :


تعرض أثناء الوشاح المفصل

وقوله :


فإن عد من مجد قديم لمعشر     فقومي بهم تثنى هناك الأصابع

يعني أنهم الخيار المعدودون ; عن ابن الأعرابي ; لأن الخيار لا يكثرون . وشاة ثانية بينة الثني : تثني عنقها لغير علة . وثنى رجله عن دابته : ضمها إلى فخذه فنزل ، ويقال للرجل إذا نزل عن دابته . الليث : إذا أراد الرجل وجها فصرفته عن وجهه قلت : ثنيته ثنيا . ويقال : فلان لا يثنى عن قرنه ، ولا عن وجهه ، قال : وإذا فعل الرجل أمرا ثم ضم إليه أمرا آخر قيل : ثنى بالأمر الثاني يثني تثنية . وفي حديث الدعاء : من قال عقيب الصلاة وهو ثان رجله أي : عاطف رجله في التشهد قبل أن ينهض ، وفي حديث آخر : من قال قبل أن يثني رجله ; قال ابن الأثير : وهذا ضد الأول في اللفظ ومثله في المعنى ; لأنه أراد قبل أن يصرف رجله عن حالتها التي هي عليها في التشهد . وفي التنزيل العزيز : ألا إنهم يثنون صدورهم ; قال الفراء : نزلت في بعض من كان يلقى النبي بما يحب وينطوي له على العداوة والبغض ، فذلك الثني الإخفاء ; وقال الزجاج : يثنون صدورهم أي : يسرون عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وقال غيره : يثنون صدورهم يجنون ويطوون ما فيها ويسترونه استخفاء من الله بذلك . وروي عن ابن عباس أنه قرأ : ألا إنهم تثنوني صدورهم ، قال : وهو في العربية تنثني ، وهو من الفعل افعوعلت . قال أبو منصور : وأصله من ثنيت الشيء إذا حنيته وعطفته وطويته . وانثنى أي : انعطف ، وكذلك اثنونى على افعوعل . واثنونى صدره على البغضاء أي : انحنى وانطوى . وكل شيء عطفته فقد ثنيته . قال : وسمعت أعرابيا يقول لراعي إبل أوردها الماء جملة فناداه : ألا واثن وجوهها عن الماء ، ثم أرسل منها رسلا رسلا أي قطيعا ، وأراد بقوله : اثن وجوهها أي اصرف وجوهها عن الماء كيلا تزدحم على الحوض فتهدمه . ويقال للفارس إذا ثنى عنق دابته عند شدة حضره : جاء ثاني العنان . ويقال للفرس نفسه : جاء سابقا ثانيا إذا جاء وقد ثنى عنقه نشاطا ; لأنه إذا أعيا مد عنقه ، وإذا لم يعي ولم يجهد وجاء سيره عفوا غير مجهود ثنى عنقه ; ومنه قوله :


ومن يفخر بمثل أبي وجدي     يجيء قبل السوابق وهو ثاني

أي : يجيء كالفرس السابق الذي قد ثنى عنقه ، ويجوز أن يجعله كالفارس الذي سبق فرسه الخيل ، وهو مع ذلك قد ثنى من عنقه . والاثنان : ضعف الواحد . فأما قوله تعالى : وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين ، فمن التطوع المشام للتوكيد ، وذلك أنه قد غني بقوله : إلهين عن اثنين ، وإنما فائدته التوكيد والتشديد ; ونظيره قوله تعالى : ومناة الثالثة الأخرى ، أكد بقوله : الأخرى ، وقوله تعالى : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ، فقد علم بقوله : نفخة ، أنها واحدة ، فأكد بقوله : واحدة . والمؤنث الثنتان ، تاؤه مبدلة من ياء ، ويدل على أنه من الياء أنه من ثنيت ; لأن الاثنين قد ثني أحدهما إلى صاحبه ، وأصله ثني ، يدلك على ذلك جمعهم إياه على أثناء بمنزلة أبناء وآخاء ، فنقلوه من فعل إلى فعل كما فعلوا ذلك في بنت ، وليس في الكلام تاء مبدلة من الياء [ ص: 46 ] في غير افتعل إلا ما حكاه سيبويه من قولهم : أسنتوا ، وما حكاه أبو علي من قولهم : ثنتان ، وقوله تعالى : فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان ; إنما الفائدة في قوله : اثنتين ، بعد قوله : كانتا ، تجردهما من معنى الصغر والكبر ، وإلا فقد علم أن الألف في كانتا وغيرها من الأفعال علامة التثنية . ويقال : فلان ثاني اثنين أي : هو أحدهما ، مضاف ، ولا يقال هو ثان اثنين بالتنوين ، وقد تقدم مشبعا في ترجمة ثلث . وقولهم : هذا ثاني اثنين أي : هو أحد اثنين ، وكذلك ثالث ثلاثة مضاف إلى العشرة ولا ينون ، فإن اختلفا فأنت بالخيار ، إن شئت أضفت وإن شئت نونت ، وقلت : هذا ثاني واحد ، وثان واحدا ، المعنى هذا ثنى واحدا ، وكذلك ثالث اثنين ، وثالث اثنين ، والعدد منصوب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر في الرفع والنصب والخفض إلا اثني عشر ; فإنك تعربه على هجاءين . قال ابن بري عند قول الجوهري : والعدد منصوب ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر ، قال : صوابه أن يقول : والعدد مفتوح ، قال : وتقول للمؤنث اثنتان ، وإن شئت ثنتان ; لأن الألف إنما اجتلبت لسكون الثاء فلما تحركت سقطت . ولو سمي رجل باثنين أو باثني عشر لقلت في النسبة إليه ثنوي في قول من قال في ابن بنوي ، واثني في قول من قال ابني ; وأما قول الشاعر :


كأن خصييه من التدلدل     ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل

أراد أن يقول : فيه حنظلتان ، فأخرج الاثنين مخرج سائر الأعداد للضرورة وأضافه إلى ما بعده ، وأراد ثنتان من حنظل كما يقال ثلاثة دراهم وأربعة دراهم ، وكان حقه في الأصل أن يقول اثنا دراهم ، واثنتا نسوة ، إلا أنهم اقتصروا بقولهم درهمان وامرأتان عن إضافتهما إلى ما بعدهما . وروى شمر بإسناد له يبلغ عوف بن مالك أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإمارة ، فقال : أولها ملامة ، وثناؤها ندامة ، وثلاثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل ; قال شمر : ثناؤها أي : ثانيها وثلاثها أي : ثالثها . قال : وأما ثناء وثلاث فمصروفان عن ثلاثة ثلاثة واثنين اثنين ، وكذلك رباع ومثنى ; وأنشد [ صخر بن عمرو بن الشريد السلمي ] :


ولقد قتلتكم ثناء وموحدا     وتركت مرة مثل أمس الدابر

وقال آخر :


أحاد ومثنى أصعقتها صواهله

الليث : اثنان اسمان لا يفردان قرينان ، لا يقال لأحدهما : اثن كما أن الثلاثة أسماء مقترنة لا تفرق ، ويقال في التأنيث اثنتان ولا يفردان ، والألف في اثنين ألف وصل ، وربما قالوا اثنتان كما قالوا هي ابنة فلان ، وهي بنته ، والألف في الابنة ألف وصل لا تظهر في اللفظ ، والأصل فيهما ثني ، والألف في اثنتين ألف وصل أيضا ، فإذا كانت هذه الألف مقطوعة في الشعر فهو شاذ ، كما قال قيس بن الخطيم :


إذا جاوز الاثنين سر فإنه     بنث وتكثير الوشاة قمين

غيره : واثنان من عدد المذكر ، واثنتان للمؤنث ، وفي المؤنث لغة أخرى ثنتان بحذف الألف ، ولو جاز أن يفرد لكان واحده اثن مثل ابن وابنة ، وألفه ألف وصل ، وقد قطعها الشاعر على التوهم فقال :


ألا لا أرى إثنين أحسن شيمة     على حدثان الدهر مني ومن جمل

والثني : ضم واحد إلى واحد ، والثني الاسم ، ويقال : ثني الثوب لما كف من أطرافه ، وأصل الثني الكف . وثنى الشيء : جعله اثنين ، واثنى افتعل منه ، أصله اثتنى فقلبت الثاء تاء ; لأن التاء آخت الثاء في الهمس ، ثم أدغمت فيها ; قال :


بدا بأبي ثم اتنى بأبي أبي     وثلث بالأدنين ثقف المحالب

هذا هو المشهور في الاستعمال ، والقوي في القياس ، ومنهم من يقلب تاء افتعل ثاء فيجعلها من لفظ الفاء قبلها ، فيقول اثنى واثرد واثأر كما قال بعضهم في ادكر اذكر وفي اصطلحوا اصلحوا . وهذا ثاني هذا أي : الذي شفعه . ولا يقال : ثنيته إلا أن أبا زيد قال : هو واحد فاثنه أي : كن له ثانيا . وحكى ابن الأعرابي أيضا : فلان لا يثني ولا يثلث أي : هو رجل كبير فإذا أراد النهوض لم يقدر في مرة ولا مرتين ولا في الثالثة . وشربت اثنا القدح ، وشربت اثني هذا القدح أي : اثنين مثله ، وكذلك شربت اثني مد البصرة ، واثنين بمده البصرة . وثنيت الشيء : جعلته اثنين . وجاء القوم مثنى مثنى أي : اثنين اثنين . وجاء القوم مثنى وثلاث غير مصروفات لما تقدم في ( ث - ل - ث ) ، وكذلك النسوة ، وسائر الأنواع أي : اثنين اثنين ، وثنتين ثنتين . وفي حديث الصلاة : صلاة الليل مثنى مثنى أي : ركعتان ركعتان بتشهد وتسليم ، فهي ثنائية لا رباعية . ومثنى : معدول من اثنين اثنين ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


فما حلبت إلا الثلاثة والثنى     ولا قيلت إلا قريبا مقالها

قال : أراد بالثلاثة الثلاثة من الآنية ، وبالثنى الاثنين ; وقول كثير عزة :


ذكرت عطاياه وليست بحجة     عليك ولكن حجة لك فاثنني

قيل في تفسيره : أعطني مرة ثانية ولم أره في غير هذا الشعر . والاثنان : من أيام الأسبوع ; لأن الأول عندهم الأحد والجمع أثناء ، وحكى مطرز عن ثعلب أثانين ، ويوم الاثنين لا يثنى ولا يجمع ; لأنه مثنى ، فإن أحببت أن تجمعه كأنه صفة الواحد ، وفي نسخة كأن لفظه مبني للواحد ، قلت أثانين ، قال ابن بري : أثانين ليس بمسموع ، وإنما هو من قول الفراء وقياسه ، قال : وهو بعيد في القياس ; قال : والمسموع في جمع الاثنين أثناء على ما حكاه سيبويه ، قال : وحكى السيرافي وغيره عن العرب أن فلانا ليصوم الأثناء ، وبعضهم يقول : ليصوم الثني على فعول مثل ثدي ; وحكى سيبويه عن بعض العرب : اليوم الثنى ، قال : وأما قولهم اليوم الاثنان ، فإنما هو اسم اليوم ، وإنما أوقعته العرب على قولك اليوم يومان ، واليوم خمسة عشر من الشهر ، ولا يثنى ، والذين قالوا : اثني جعلوا به على الاثن ، وإن لم يتكلم به ، وهو بمنزلة الثلاثاء والأربعاء يعني أنه صار اسما غالبا ; قال اللحياني : وقد [ ص: 47 ] قالوا في الشعر يوم اثنين بغير لام ; وأنشد لأبي صخر الهذلي :


أرائح أنت يوم اثنين أم غادي     ولم تسلم على ريحانة الوادي

يقال : وكان أبو زياد يقول : مضى الاثنان بما فيه ، فيوحد ويذكر ، وكذا يفعل في سائر أيام الأسبوع كلها ، وكان يؤنث الجمعة ، وكان أبو الجراح يقول : مضى السبت بما فيه ، ومضى الأحد بما فيه ، ومضى الاثنان بما فيهما ، ومضى الثلاثاء بما فيهن ، ومضى الأربعاء بما فيهن ، ومضى الخميس بما فيهن ، ومضت الجمعة بما فيها ، كان يخرجها مخرج العدد ; قال ابن جني : اللام في الاثنين غير زائدة ، وإن لم تكن الاثنان صفة ; قال أبو العباس : إنما أجازوا دخول اللام عليه ; لأن فيه تقدير الوصف ، ألا ترى أن معناه اليوم الثاني ؟ وكذلك أيضا اللام في الأحد والثلاثاء والأربعاء ونحوها ; لأن تقديرها الواحد والثاني والثالث والرابع والخامس والجامع والسابت ، والسبت القطع ، وقيل : إنما سمي بذلك ; لأن الله - عز وجل - خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، أولها الأحد وآخرها الجمعة ، فأصبحت يوم السبت منسبتة أي : قد تمت وانقطع العمل فيها ، وقيل : سمي بذلك ; لأن اليهود كانوا ينقطعون فيه عن تصرفهم ، ففي كلا القولين معنى الصفة موجود . وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي : لا تكن اثنويا أي : ممن يصوم الاثنين وحده . وقوله - عز وجل - : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ; المثاني من القرآن : ما ثني مرة بعد مرة ، وقيل : فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات ، قيل لها مثان ; لأنها يثنى بها في كل ركعة من ركعات الصلاة ، وتعاد في كل ركعة ; قال أبو الهيثم : سميت آيات الحمد مثاني ، واحدتها مثناة ، وهي سبع آيات ; وقال ثعلب : لأنها تثنى مع كل سورة ; قال الشاعر :


الحمد لله الذي عافاني     وكل خير صالح أعطاني
رب مثاني الآي والقرآن

وورد في الحديث في ذكر الفاتحة : هي السبع المثاني ، وقيل : المثاني سور أولها البقرة وآخرها براءة ، وقيل : ما كان دون المئين ; قال ابن بري : كأن المئين جعلت مبادي والتي تليها مثاني ، وقيل : هي القرآن كله ; ويدل على ذلك قول حسان بن ثابت :


من للقوافي بعد حسان وابنه     ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت

قال : ويجوز أن يكون - والله أعلم - من المثاني مما أثني به على الله تبارك وتقدس ; لأن فيها حمد الله وتوحيده وذكر ملكه يوم الدين ، المعنى : ولقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يثنى بها على الله - عز وجل - وآتيناك القرآن العظيم ; وقال الفراء في قوله - عز وجل - : الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ; أي مكررا ، أي : كرر فيه الثواب والعقاب ; وقال أبو عبيد : المثاني من كتاب الله ثلاثة أشياء ، سمى الله - عز وجل - القرآن كله مثاني في قوله عز وجل : الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ; وسمى فاتحة الكتاب مثاني في قوله عز وجل : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ، قال : وسمي القرآن مثاني ; لأن الأنباء والقصص ثنيت فيه ، ويسمى جميع القرآن مثاني أيضا لاقتران آية الرحمة بآية العذاب . قال الأزهري : قرأت بخط شمر قال : روى محمد بن طلحة بن مصرف عن أصحاب عبد الله أن المثاني ست وعشرون سورة ، وهي : سورة الحج ، والقصص ، والنمل ، والنور ، والأنفال ، ومريم ، والعنكبوت ، والروم ، ويس ، والفرقان ، والحجر ، والرعد ، وسبأ ، والملائكة ، وإبراهيم ، وص ، ومحمد ، ولقمان ، والغرف ، والمؤمن ، والزخرف ، والسجدة ، والأحقاف ، والجاثية ، والدخان ، فهذه هي المثاني عند أصحاب عبد الله ، وهكذا وجدتها في النسخ التي نقلت منها خمسا وعشرين ، والظاهر أن السادسة والعشرين هي سورة الفاتحة ، فإما أن أسقطها النساخ ، وإما أن يكون غني عن ذكرها بما قدمه من ذلك ، وإما أن يكون غير ذلك ; وقال أبو الهيثم : المثاني من سور القرآن كل سورة دون الطول ودون المئين ، وفوق المفصل; روي ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عن ابن مسعود ، وعثمان ، وابن عباس ، قال : والمفصل يلي المثاني ، والمثاني ما دون المئين ، وإنما قيل لما ولي المئين من السور مثان ; لأن المئين كأنها مباد وهذه مثان ، وأما قول عبد الله بن عمرو : من أشراط الساعة أن توضع الأخيار وترفع الأشرار ، وأن يقرأ فيهم بالمثناة على رءوس الناس ليس أحد يغيرها ، قيل : وما المثناة ؟ قال : ما استكتب من غير كتاب الله ، كأنه جعل ما استكتب من كتاب الله مبدأ ، وهذا مثنى ، قال أبو عبيدة : سألت رجلا من أهل العلم بالكتب الأول قد عرفها وقرأها عن المثناة ، فقال : إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل من بعد موسى وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله فهو المثناة ; قال أبو عبيد : وإنما كره عبد الله الأخذ عن أهل الكتاب ، وقد كانت عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك منهم ، فأظنه قال هذا لمعرفته بما فيها ، ولم يرد النهي عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته ، وكيف ينهى عن ذلك وهو من أكثر الصحابة حديثا عنه ؟ وفي الصحاح في تفسير المثناة قال : هي التي تسمى بالفارسية دوبيني ، وهو الغناء ، قال : و أبو عبيدة يذهب في تأويله إلى غير هذا . والمثاني من أوتار العود : الذي بعد الأول ، واحدها مثنى . اللحياني : التثنية أن يفوز قدح رجل منهم فينجو ويغنم ، فيطلب إليهم أن يعيدوه على خطار ، والأول أقيس وأقرب إلى الاشتقاق ، وقيل : هو ما استكتب من غير كتاب الله . ومثنى الأيادي : أن يعيد معروفه مرتين أو ثلاثا ، وقيل : هو أن يأخذ القسم مرة بعد مرة ، وقيل : هو الأنصباء التي كانت تفضل من الجزور ، وفي التهذيب : من جزور الميسر ، فكان الرجل الجواد يشريها فيطعمها الأبرام ، وهم الذين لا ييسرون ; هذا قول أبي عبيد . وقال أبو عمرو : مثنى الأيادي أن يأخذ القسم مرة بعد مرة ; قال النابغة :


ينبيك ذو عرضهم عني وعالمهم     وليس جاهل أمرا مثل من علما
إني أتمم أيساري وأمنحهم [ ص: 48 ]     مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما

والمثنى : زمام الناقة ; قال الشاعر :


تلاعب مثنى حضرمي كأنه     تعمج شيطان بذي خروع قفر

والثني من النوق : التي وضعت بطنين ، وثنيها ولدها ، وكذلك المرأة ، ولا يقال ثلث ولا فوق ذلك . وناقة ثني إذا ولدت اثنين ، وفي التهذيب : إذا ولدت بطنين ، وقيل : إذا ولدت بطنا واحدا ، والأول أقيس ، وجمعها ثناء ، عن سيبويه ، جعله كظئر وظؤار ; واستعاره لبيد للمرأة فقال :


ليالي تحت الخدر ثني مصيفة     من الأدم ترتاد الشروج القوابلا

والجمع أثناء ; قال :


قام إلى حمراء من أثنائها

قال أبو رياش : ولا يقال بعد هذا شيء مشتقا ; التهذيب : وولدها الثاني ثنيها ; قال أبو منصور : والذي سمعته من العرب يقولون للناقة إذا ولدت أول ولد تلده فهي بكر ، وولدها أيضا بكرها ، فإذا ولدت الولد الثاني فهي ثني ، وولدها الثاني ثنيها ، قال : وهذا هو الصحيح . وقال في شرح بيت لبيد : قال أبو الهيثم : المصيفة التي تلد ولدا وقد أسنت ، والرجل كذلك مصيف وولده صيفي ، وأربع الرجل وولده ربعيون . والثواني : القرون التي بعد الأوائل . والثنى - بالكسر - والقصر : الأمر يعاد مرتين وأن يفعل الشيء مرتين . قال ابن بري : ويقال : ثنى وثنى ، وطوى وطوى ، وقوم عدا وعدا ، ومكان سوى وسوى . والثنى في الصدقة : أن تؤخذ في العام مرتين . ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا ثنى في الصدقة ، مقصور ، يعني لا تؤخذ الصدقة في السنة مرتين ; وقال الأصمعي و الكسائي ; وأنشد أحدهما لكعب بن زهير ، وكانت امرأته لامته في بكر نحره :


أفي جنب بكر قطعتني ملامة     لعمري لقد كانت ملامتها ثنى

أي ليس بأول لومها فقد فعلته قبل هذا ، وهذا ثنى بعده ; قال ابن بري : ومثله قول عدي بن زيد :


أعاذل إن اللوم في غير كنهه     علي ثنى من غيك المتردد

قال أبو سعيد : لسنا ننكر أن الثنى إعادة الشيء مرة بعد مرة ، ولكنه ليس وجه الكلام ، ولا معنى الحديث ، ومعناه أن يتصدق الرجل على آخر بصدقة ثم يبدو له فيريد أن يستردها ، فيقال لا ثنى في الصدقة أي : لا رجوع فيها ، فيقول المتصدق بها عليه ليس لك علي عصرة الوالد أي : ليس لك رجوع كرجوع الوالد فيما يعطي ولده ; قال ابن الأثير : وقوله في الصدقة أي : في أخذ الصدقة ، فحذف المضاف ، قال : ويجوز أن تكون الصدقة بمعنى التصديق ، وهو أخذ الصدقة كالزكاة والذكاة بمعنى التزكية والتذكية ، فلا يحتاج إلى حذف مضاف . والثنى : هو أن تؤخذ ناقتان في الصدقة مكان واحدة . والمثناة والمثناة : حبل من صوف أو شعر ، وقيل : هو الحبل من أي شيء كان . وقال ابن الأعرابي : المثناة - بالفتح - الحبل . الجوهري : الثناية حبل من شعر أو صوف ; قال الراجز :


أنا سحيم ومعي مدرايه     أعددتها لفتك ذي الدوايه
والحجر الأخشن والثنايه

قال : وأما الثناء - ممدود - فعقال البعير ونحو ذلك من حبل مثني . وكل واحد من ثنييه فهو ثناء لو أفرد ; قال ابن بري : إنما لم يفرد له واحد ; لأنه حبل واحد تشد بأحد طرفيه اليد وبالطرف الآخر الأخرى ، فهما كالواحد . وعقلت البعير بثنايين - غير مهموز - لأنه لا واحد له إذا عقلت يديه جميعا بحبل أو بطرفي حبل ، وإنما لم يهمز ; لأنه لفظ جاء مثنى لا يفرد واحده فيقال ثناء ، فتركت الياء على الأصل كما قالوا في مذروين ; لأن أصل الهمزة في ثناء لو أفرد ياء ; لأنه من ثنيت ، ولو أفرد واحده لقيل ثناءان ، كما تقول كساءان ورداءان . وفي حديث عمرو بن دينار قال : رأيت ابن عمر ينحر بدنته ، وهي باركة مثنية بثنايين ، يعني معقولة بعقالين ، ويسمى ذلك الحبل الثناية ; قال ابن الأثير : وإنما لم يقولوا ثناءين - بالهمز - حملا على نظائره ; لأنه حبل واحد يشد بأحد طرفيه يد ، وبطرفه الثاني أخرى ، فهما كالواحد ، وإن جاء بلفظ اثنين فلا يفرد له واحد ; قال سيبويه : سألت الخليل عن الثنايين فقال : هو بمنزلة النهاية ; لأن الزيادة في آخره لا تفارقه ، فأشبهت الهاء ، ومن ثم قالوا مذروان ، فجاءوا به على الأصل ; لأن الزيادة فيه لا تفارقه . قال سيبويه : وسألت الخليل - رحمه الله - عن قولهم : عقلته بثنايين وهنايين لم لم يهمزوا ؟ فقال : تركوا ذلك حيث لم يفرد الواحد . وقال ابن جني : لو كانت ياء التثنية إعرابا أو دليل إعراب لوجب أن تقلب الياء التي بعد الألف همزة فيقال : عقلته بثناءين ، وذلك لأنها ياء وقعت طرفا بعد ألف زائدة ، فجرى مجرى ياء رداء ورماء وظباء . وعقلته بثنتين إذا عقلت يدا واحدة بعقدتين . الأصمعي : يقال عقلت البعير بثنايين ، يظهرون الياء بعد الألف وهي المدة التي كانت فيها ، ولو مد ماد لكان صوابا كقولك كساء وكساوان وكساءان . قال : وواحد الثنايين ثناء مثل كساء - ممدود - . قال أبو منصور : أغفل الليث العلة في الثنايين وأجاز ما لم يجزه النحويون ; قال أبو منصور عند قول الخليل تركوا الهمزة في الثنايين حيث لم يفردوا الواحد ، قال : هذا خلاف ما ذكره الليث في كتابه ; لأنه أجاز أن يقال لواحد الثنايين ثناء ، والخليل يقول لم يهمزوا الثنايين ; لأنهم لا يفردون الواحد منهما ، وروى هذا شمر لسيبويه . وقال شمر : قال أبو زيد يقال : عقلت البعير بثنايين إذا عقلت يديه بطرفي حبل ، قال : وعقلته بثنيين إذا عقله يدا واحدة بعقدتين . قال شمر : وقال الفراء لم يهمزوا ثنايين ; لأن واحده لا يفرد ; قال أبو منصور : والبصريون والكوفيون اتفقوا على ترك الهمز في الثنايين وعلى ألا يفردوا الواحد . قال أبو منصور : والحبل يقال له الثناية ، قال : وإنما قالوا ثنايين ولم يقولوا ثنايتين ; لأنه حبل واحد يشد بأحد طرفيه يد البعير [ ص: 49 ] وبالطرف الآخر اليد الأخرى ، فيقال : ثنيت البعير بثنايين كأن الثنايين كالواحد وإن جاء بلفظ اثنين ولا يفرد له واحد ، ومثله المذروان طرفا الأليتين ، جعل واحدا ، ولو كانا اثنين لقيل : مذريان ، وأما العقال الواحد فإنه لا يقال له : ثناية ، وإنما الثناية الحبل الطويل ، ومنه قول زهير يصف السانية وشد قتبها عليها :


تمطو الرشاء فتجري في ثنايتها     من المحالة ثقبا رائدا قلقا

والثناية هاهنا : حبل يشد طرفاه في قتب السانية ، ويشد طرف الرشاء في مثناته ، وكذلك الحبل إذا عقل بطرفيه يد البعير ثناية أيضا . وقال ابن السكيت : في ثنايتها أي : في حبلها ، معناه وعليها ثنايتها . وقال أبو سعيد : الثناية عود يجمع به طرفا الميلين من فوق المحالة ومن تحتها أخرى مثلها ، قال : والمحالة والبكرة تدور بين الثنايتين . وثنيا الحبل : طرفاه ، واحدهما ثني . وثني الحبل ما ثنيت ، وقال طرفة :


لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى     لكالطول المرخى وثنياه في اليد

يعني الفتى لا بد له من الموت وإن أنسأ في أجله ، كما أن الدابة وإن طول له طوله وأرخي له فيه حتى يرود في مرتعه ويجيء ويذهب فإنه غير منفلت لإحراز طرف الطول إياه ، وأراد بثنييه الطرف المثني في رسغه ، فلما انثنى جعله ثنيين ; لأنه عقد بعقدتين ، وقيل في تفسير قول طرفة : يقول إن الموت ، وإن أخطأ الفتى ، فإن مصيره إليه كما أن الفرس ، وإن أرخي له طوله ، فإن مصيره إلى أن يثنيه صاحبه إذ طرفه بيده . ويقال : ربق فلان أثناء الحبل إذا جعل وسطه أرباقا أي : نشقا للشاء ينشق في أعناق البهم . والثنى من الرجال : بعد السيد ، وهو الثنيان ; قال أوس بن مغراء :


ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم     وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا

ورواه الترمذي : ثنياننا إن أتاهم ; يقول : الثاني منا في الرياسة يكون في غيرنا سابقا في السودد ، والكامل في السودد من غيرنا ثنى في السودد عندنا لفضلنا على غيرنا . والثنيان - بالضم - : الذي يكون دون السيد في المرتبة ، والجمع ثنية ; قال الأعشى :


طويل اليدين رهطه غير ثنية     أشم كريم جاره لا يرهق

وفلان ثنية أهل بيته أي : أرذلهم . أبو عبيد : يقال للذي يجيء ثانيا في السودد ولا يجيء أولا ثنى - مقصور - وثنيان وثني ، كل ذلك يقال . وفي حديث الحديبية : يكون لهم بدء الفجور وثناه أي : أوله وآخره . والثنية : واحدة الثنايا من السن . المحكم : الثنية من الأضراس أول ما في الفم . غيره : وثنايا الإنسان في فمه الأربع التي في مقدم فيه . ثنتان من فوق ، وثنتان من أسفل . ابن سيده : وللإنسان والخف والسبع ثنيتان من فوق وثنيتان من أسفل . والثني من الإبل : الذي يلقي ثنيته ، وذلك في السادسة ، ومن الغنم الداخل في السنة الثالثة ، تيسا كان أو كبشا . التهذيب : البعير إذا استكمل الخامسة ، وطعن السادسة ، فهو ثني ، وهو أدنى ما يجوز من سن الإبل في الأضاحي ، وكذلك من البقر والمعزى ، فأما الضأن فيجوز منها الجذع في الأضاحي ، وإنما سمي البعير ثنيا ; لأنه ألقى ثنيته . الجوهري : الثني الذي يلقي ثنيته ، ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة ، وفي الخف في السنة السادسة . وقيل لابنة الخس : هل يلقح الثني ؟ فقالت : وإلقاحه أني أي : بطيء ، والأنثى ثنية ، والجمع ثنيات ، والجمع من ذلك كله ثناء ، وثناء وثنيان . وحكى سيبويه ثن . قال ابن الأعرابي : ليس قبل الثني اسم يسمى ولا بعد البازل اسم يسمى . وأثنى البعير : صار ثنيا ، وقيل : كل ما سقطت ثنيته من غير الإنسان ثني ، والظبي ثني بعد الإجذاع ، ولا يزال كذلك حتى يموت . وأثنى أي : ألقى ثنيته . وفي حديث الأضحية : أنه أمر بالثنية من المعز ; قال ابن الأثير : الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ، ومن البقر كذلك ، ومن الإبل في السادسة ، والذكر ثني ، وعلى مذهب أحمد بن حنبل ما دخل من المعز في الثانية ، ومن البقر في الثالثة . ابن الأعرابي : في الفرس إذا استتم الثالثة ودخل في الرابعة ثني ، فإذا أثنى ألقى رواضعه ، فيقال أثنى وأدرم للإثناء ، قال : وإذا أثنى سقطت رواضعه ، ونبت مكانها سن ، فنبات تلك السن هو الإثناء ، ثم يسقط الذي يليه عند إرباعه . والثني من الغنم : الذي استكمل الثانية ودخل في الثالثة ، ثم ثني في السنة الثالثة مثل الشاة سواء . والثنية : طريق العقبة ، ومنه قولهم : فلان طلاع الثنايا إذا كان ساميا لمعالي الأمور كما يقال طلاع أنجد ، والثنية : الطريقة في الجبل كالنقب ، وقيل : هي العقبة ، وقيل : هي الجبل نفسه . ومثاني الدابة : ركبتاه ومرفقاه ; قال امرؤ القيس :


ويخدي على صم صلاب ملاطس     شديدات عقد لينات مثاني

أي ليست بجاسية . أبو عمرو : الثنايا العقاب . قال أبو منصور : والعقاب جبال طوال بعرض الطريق ، فالطريق تأخذ فيها ، وكل عقبة مسلوكة ثنية ، وجمعها ثنايا ، وهي المدارج أيضا ، ومنه قول عبد الله ذي البجادين المزني :


تعرضي مدارجا وسومي     تعرض الجوزاء للنجوم

يخاطب ناقة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان دليله بركوبه ، والتعرض فيها : أن يتيامن الساند فيها مرة ويتياسر أخرى ; ليكون أيسر عليه . وفي الحديث : من يصعد ثنية المرار حط عنه ما حط عن بني إسرائيل ; الثنية في الجبل : كالعقبة فيه ، وقيل : هي الطريق العالي فيه ، وقيل : أعلى المسيل في رأسه ، والمرار - بالضم - : موضع بين مكة والمدينة من طريق الحديبية ، وبعضهم يقوله - بالفتح - ، وإنما حثهم على صعودها ; لأنها عقبة شاقة ، وصلوا إليها ليلا حين أرادوا مكة سنة الحديبية ، فرغبهم في صعودها ، والذي حط عن بني إسرائيل هو ذنوبهم من قوله تعالى : وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ; وفي خطبة الحجاج :


أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

هي جمع ثنية ، أراد أنه جلد يرتكب الأمور العظام . [ ص: 50 ] والثناء : ما تصف به الإنسان من مدح أو ذم ، وخص بعضهم به المدح ، وقد أثنيت عليه ; وقول أبي المثلم الهذلي :


يا صخر أو كنت تثني أن سيفك مش     قوق الخشيبة لا ناب ولا عصل

معناه تمتدح وتفتخر فحذف وأوصل . ويقال للرجل الذي يبدأ بذكره في مسعاة أو محمدة أو علم : فلان به تثنى الخناصر ، أي : تحنى في أول من يعد ، ويذكر وأثنى عليه خيرا ، والاسم الثناء . المظفر : الثناء - ممدود - تعمدك لتثني على إنسان بحسن أو قبيح . وقد طار ثناء فلان أي : ذهب في الناس ، والفعل أثنى فلان على الله تعالى ثم على المخلوق يثني إثناء أو ثناء يستعمل في القبيح من الذكر في المخلوقين وضده . ابن الأعرابي : يقال : أثنى إذا قال خيرا أو شرا ، وأنثنى إذا اغتاب . وثناء الدار : فناؤها . قال ابن جني : ثناء الدار وفناؤها أصلان ; لأن الثناء من ثنى يثني ; لأن هناك تنثني عن الانبساط لمجيء آخرها ، واستقصاء حدودها ، وفناؤها ، من فني يفنى ; لأنك إذا تناهيت إلى أقصى حدودها فنيت . قال ابن سيده : فإن قلت : هلا جعلت إجماعهم على أفنية - بالفاء - دلالة على أن الثاء في ثناء بدل من فاء فناء ، كما زعمت أن فاء جدف بدل من ثاء جدث ; لإجماعهم على أجداث بالثاء ، فالفرق بينهما وجودنا لثناء من الاشتقاق ما وجدناه لفناء ، ألا ترى أن الفعل يتصرف منهما جميعا ؟ ولسنا نعلم لجدف بالفاء تصرف جدث ; فلذلك قضينا بأن الفاء بدل من الثاء ، وجعله أبو عبيد في المبدل . واستثنيت الشيء من الشيء : حاشيته . والثنية : ما استثني . وروي عن كعب أنه قال : الشهداء ثنية الله في الأرض ، يعني من استثناه من الصعقة الأولى ، تأول قول الله تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ; فالذين استثناهم الله عند كعب من الصعق الشهداء ; لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ، فإذا نفخ في الصور وصعق الخلق عند النفخة الأولى لم يصعقوا ، فكأنهم مستثنون من الصعقين ، وهذا معنى كلام كعب ، وهذا الحديث يرويه إبراهيم النخعي أيضا . والثنية : النخلة المستثناة من المساومة . وحلفة غير ذات مثنوية أي : غير محللة . يقال : حلف فلان يمينا ليس فيها ثنيا ولا ثنوى ولا ثنية ولا مثنوية ولا استثناء ، كله واحد ، وأصل هذا كله من الثني والكف والرد ; لأن الحالف إذا قال : والله لا أفعل كذا وكذا إلا أن يشاء الله غيره ، فقد رد ما قاله بمشيئة الله غيره . والثنوة : الاستثناء . والثنيان - بالضم - : الاسم من الاستثناء ، وكذلك الثنوى - بالفتح - . والثنيا والثنوى : ما استثنيته ، قلبت ياؤه واوا للتصريف وتعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها ، والفرق أيضا بين الاسم والصفة . والثنيا المنهي عنها في البيع : أن يستثنى منه شيء مجهول فيفسد البيع ، وذلك إذا باع جزورا بثمن معلوم واستثنى رأسه وأطرافه ، فإن البيع فاسد . وفي الحديث : نهى عن الثنيا إلا أن تعلم ; قال ابن الأثير : هي أن يستثنى في عقد البيع شيء مجهول فيفسده ، وقيل : هو أن يباع شيء جزافا فلا يجوز أن يستثنى منه شيء قل أو كثر ، قال : وتكون الثنيا في المزارعة أن يستثنى بعد النصف أو الثلث كيل معلوم . وفي الحديث : من أعتق أو طلق ثم استثنى فله ثنياء أي : من شرط في ذلك شرطا أو علقه على شيء فله ما شرط أو استثنى ، منه مثل أن يقول : طلقتها ثلاثا إلا واحدة أو أعتقتهم إلا فلانا ، والثنيا من الجزور : الرأس والقوائم ، سميت ثنيا ; لأن البائع في الجاهلية كان يستثنيها إذا باع الجزور فسميت للاستثناء الثنيا . وفي الحديث : كان لرجل ناقة نجيبة فمرضت فباعها من رجل واشترط ثنياها ; أراد قوائمها ورأسها ; وناقة مذكرة الثنيا ; وقوله أنشده ثعلب :


مذكرة الثنيا مساندة القرى     جمالية تختب ثم تنيب

فسره فقال : يصف الناقة أنها غليظة القوائم كأنها قوائم الجمل لغلظها . مذكرة الثنيا : يعني أن رأسها وقوائمها تشبه خلق الذكارة ، لم يزد على هذا شيئا . والثنية : كالثنيا . ومضى ثني من الليل أي : ساعة ; حكي عن ثعلب والثنون : الجمع العظيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية