صفحة جزء
[ جفا ]

جفا : جفا الشيء يجفو جفاء وتجافى : لم يلزم مكانه كالسرج يجفو عن الظهر وكالجنب يجفو عن الفراش ; قال الشاعر :


إن جنبي عن الفراش لناب كتجافي الأسر فوق الظراب

والحجة في أن الجفاء يكون لازما ، مثل تجافى قول العجاج يصف ثورا وحشيا :


وشجر الهداب عنه فجفا

يقول : رفع هدب الأرطى بقرنه حتى تجافى عنه . وأجفيته أنا : أنزلته عن مكانه ; قال :


تمد بالأعناق أو تلويها      [ ص: 167 ] وتشتكي لو أننا نشكيها
مس حوايانا فلم نجفيها

أي فلما نرفع الحوية عن ظهرها . وجفا جنبه عن الفراش وتجافى : نبا عنه ، ولم يطمئن عليه . وجافيت جنبي عن الفراش فتجافى ، وأجفيت القتب عن ظهر البعير فجفا ، وجفا السرج عن ظهر الفرس وأجفيته أنا إذا رفعته عنه ، وجافاه عنه فتجافى . وتجافى جنبه عن الفراش ، أي : نبا واستجفاه أي : عده جافيا . وفي التنزيل : تتجافى جنوبهم عن المضاجع ; قيل في تفسير هذه الآية : إنهم كانوا يصلون في الليل ، وقيل : كانوا لا ينامون عن صلاة العتمة ، وقيل : كانوا يصلون بين الصلاتين صلاة المغرب والعشاء الأخيرة تطوعا . قال الزجاج : وقوله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ، دليل على أنها الصلاة في جوف الليل ; لأنه عمل يستسر الإنسان به . وفي الحديث : أنه كان يجافي عضديه عن جنبيه في السجود أي : يباعدهما . وفي الحديث : إذا سجدت فتجاف ، وهو من الجفاء البعد عن الشيء ، جفاه إذا بعد عنه ، وأجفاه إذا أبعده ; ومنه الحديث : اقرءوا القرآن ولا تجفوا عنه أي : تعاهدوه ، ولا تبعدوا عن تلاوته . قال ابن سيده : وجفا الشيء عليه ثقل لما كان في معناه ، وكان ثقل يتعدى بعلى عدوه بعلى أيضا ، ومثل هذا كثير ، والجفا يقصر ويمد خلاف البر نقيض الصلة ، وهو من ذلك . قال الأزهري : الجفاء - ممدود - عند النحويين ، وما علمت أحدا أجاز فيه القصر ، وقد جفاه جفوا وجفاء . وفي الحديث : غير الغالي فيه والجافي ; والجفاء : ترك الصلة والبر ; فأما قوله :


ما أنا بالجافي ولا المجفي

فإن الفراء قال : بناه على جفي ، فلما انقلبت الواو ياء فيما لم يسم فاعله بني المفعول عليه ; وأنشد سيبويه للشاعر :


وقد علمت عرسي مليكة أنني     أنا الليث معديا عليه وعاديا

وفي الحديث عن أبي هريرة قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجفاء في النار ; البذاء بالذال المعجمة : الفحش من القول . وفي الحديث الآخر : من بدا جفا ، بالدال المهملة خرج إلى البادية ، أي : من سكن البادية غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس ، والجفاء غلظ الطبع . الليث : الجفوة ألزم في ترك الصلة من الجفاء ; لأن الجفاء يكون في فعلاته إذا لم يكن له ملق ولا لبق . قال الأزهري : يقال جفوته جفوة مرة واحدة ، وجفاء كثيرا ، مصدر عام ، والجفاء يكون في الخلقة والخلق ; يقال : رجل جافي الخلقة وجافي الخلق إذا كان كزا غليظ العشرة والخرق في المعاملة والتحامل عند الغضب والسورة على الجليس . وفي صفته - صلى الله عليه وسلم - : ليس بالجافي المهين أي : ليس بالغليظ الخلقة ولا الطبع ، أو ليس بالذي يجفو أصحابه ، والمهين يروى - بضم الميم وفتحها - فالضم على الفاعل من أهان أي : لا يهين من صحبه ، والفتح على المفعول من المهانة والحقارة ، وهو مهين أي : حقير . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : لا تزهدن في جفاء الحقو ، أي : لا تزهد في غلظ الإزار ، وهو حث على ترك التنعم . وفي حديث حنين : خرج جفاء من الناس ; قال ابن الأثير : هكذا جاء في رواية قالوا : ومعناه سرعان الناس وأوائلهم ، تشبيها بجفاء السيل وهو ما يقذفه من الزبد والوسخ ونحوهما . وجفيت البقل واجتفيته : اقتلعته من أصوله كجفأه واجتفأه . ابن السكيت : يقال : جفوته فهو مجفو ، قال : ولا يقال : جفيت ، وقد جاء في الشعر مجفي ; وأنشد :


ما أنا بالجافي ولا المجفي

وفلان ظاهر الجفوة - بالكسر - أي : ظاهر الجفاء . أبو عمرو : الجفاية السفينة الفارغة ، فإذا كانت مشحونة فهي غامد وآمد ، وغامدة وآمدة . وجفا ماله : لم يلازمه . ورجل فيه جفوة وجفوة ، وإنه لبين الجفوة - بالكسر - فإذا كان هو المجفو قيل به جفوة . وقول المعزى حين قيل لها ما تصنعين في الليلة المطيرة ؟ فقالت : الشعر دقاق ، والجلد رقاق ، والذنب جفاء ، ولا صبر بي عن البيت ; قال ابن سيده : لم يفسر اللحياني ، جفاء قال : وعندي أنه من النبو والتباعد وقلة اللزوق . وأجفى الماشية فهي مجفاة : أتعبها ولم يدعها تأكل ، ولا علفها قبل ذلك ، وذلك إذا ساقها سوقا شديدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية