صفحة جزء
[ جوب ]

جوب : في أسماء الله المجيب ، وهو الذي يقابل الدعاء والسؤال بالعطاء والقبول ، سبحانه وتعالى ، وهو اسم فاعل من " أجاب يجيب " . والجواب معروف : رديد الكلام ، والفعل : أجاب يجيب . قال الله تعالى : فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي ; أي : فليجيبوني . وقال الفراء : يقال : إنها التلبية ، والمصدر : الإجابة ، والاسم الجابة ، بمنزلة الطاعة والطاقة . والإجابة : رجع الكلام ، تقول : أجابه عن سؤاله ، وقد أجابه إجابة وإجابا وجوابا وجابة واستجوبه واستجابه واستجاب له . قال كعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار :


وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب     فقلت ادع أخرى وارفع الصوت رفعة
لعل أبا المغوار منك قريب

[ ص: 231 ] والإجابة والاستجابة ، بمعنى ، يقال : استجاب الله دعاءه ، والاسم الجواب والجابة والمجوبة ، الأخيرة عن ابن جني ، ولا تكون مصدرا ; لأن المفعلة عند ، سيبويه ، ليست من أبنية المصادر ، ولا تكون من باب المفعول ; لأن فعلها مزيد . وفي أمثال العرب : أساء سمعا فأساء جابة . قال : هكذا يتكلم به ; لأن الأمثال تحكى على موضوعاتها . وأصل هذا المثل على ما ذكر الزبير بن بكار ، أنه كان لسهل بن عمرو ؛ ابن مضعوف ، فقال له إنسان : أين أمك ؟ أي : أين قصدك ؟ فظن أنه يقول له : أين أمك ؟ فقال : ذهبت تشتري دقيقا ، فقال أبوه : أساء سمعا فأساء جابة . وقال كراع : الجابة مصدر كالإجابة . قال أبو الهيثم : جابة اسم يقوم مقام المصدر ، وإنه لحسن الجيبة - بالكسر ؛ أي : الجواب . قال سيبويه : أجاب من لأفعال التي استغني فيها بما أفعل فعله ، وهو أفعل فعلا ، عما أفعله ، وعن هو أفعل منك ، فيقولون : ما أجود جوابه ، وهو أجود جوابا ، ولا يقال : ما أجوبه ، ولا هو أجوب منك ; وكذلك يقولون : أجود بجوابه ، ولا يقال : أجوب به . وأما ما جاء في حديث ابن عمر : أن رجلا قال : يا رسول الله : أي الليل أجوب دعوة ؟ قال : جوف الليل الغابر ، فسره شمر فقال : أجوب من الإجابة ؛ أي : أسرعه إجابة ، كما يقال أطوع من الطاعة . وقياس هذا أن يكون من " جاب " لا من " أجاب " . وفي المحكم عن شمر ، أنه فسره ، فقال : أجوب أسرع إجابة . قال : وهو عندي من باب أعطى لفارهة ، وأرسلنا الرياح لواقح ، وما جاء مثله ، وهذا على المجاز ; لأن الإجابة ليست لليل إنما هي لله تعالى فيه ، فمعناه : أي الليل الله أسرع إجابة فيه منه في غيره ؟ وما زاد على الفعل الثلاثي لا يبنى منه أفعل من كذا ، إلا في أحرف جاءت شاذة . وحكى الزمخشري ، قال : كأنه في التقدير من جابت الدعوة بوزن فعلت - بالضم - كطالت ؛ أي : صارت مستجابة ، كقولهم في فقير وشديد كأنهما من " فقر وشدد " ، وليس ذلك بمستعمل . ويجوز أن يكون من : جبت الأرض إذا قطعتها بالسير ، على معنى : أمضى دعوة ، وأنفذ إلى مظان الإجابة والقبول . وقال غيره : الأصل : جاب يجوب مثل طاع يطوع . قال الفراء قيل لأعرابي : يا مصاب . فقال : أنت أصوب مني . قال : والأصل الإصابة من : صاب يصوب ، إذا قصد ، وانجابت الناقة : مدت عنقها للحلب ، قال : وأراه من هذا كأنها أجابت حالبها ، على أنا لم نجد " انفعل " من " أجاب " . قال أبو سعيد ، قال لي أبو عمرو بن العلاء : اكتب لي الهمز ، فكتبته له ، فقال لي : سل عن انجابت الناقة أمهموز أم لا ؟ فسألت فلم أجده مهموزا . والمجاوبة والتجاوب : التحاور . وتجاوب القوم : جاوب بعضهم بعضا ، واستعمله بعض الشعراء في الطير ، فقال جحدر :


ومما زادني فاهتجت شوقا     غناء حمامتين تجاوبان
تجاوبتا بلحن أعجمي     على غصنين من غرب وبان

واستعمله بعضهم في الإبل والخيل ، فقال :


تنادوا بأعلى سحرة وتجاوبت     هوادر في حافاتهم وصهيل

وفي حديث بناء الكعبة : فسمعنا جوابا من السماء ، فإذا بطائر أعظم من النسر ; الجواب : صوت الجوب ، وهو انقضاض الطير . وقول ذي الرمة :


كأن رجليه رجلا مقطف عجل     إذا تجاوب من برديه ترنيم

أراد ترنيمان : ترنيم من هذا الجناح ، وترنيم من هذا الآخر . وأرض مجوبة : أصاب المطر بعضها ولم يصب بعضا . وجاب الشيء جوبا واجتابه : خرقه . وكل مجوف قطعت وسطه فقد جبته . وجاب الصخرة جوبا : نقبها . وفي التنزيل العزيز : ( وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ) . قال الفراء : جابوا خرقوا الصخر فاتخذوه بيوتا . ونحو ذلك قال الزجاج ، واعتبره بقوله : وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين . وجاب يجوب جوبا : قطع وخرق . ورجل جواب : معتاد لذلك ، إذا كان قطاعا للبلاد سيارا فيها . ومنه قول لقمان بن عاد في أخيه : جواب ليل سرمد . أراد : أنه يسري ليله كله لا ينام ، يصفه بالشجاعة . وفلان جواب جأب ؛ أي : يجوب البلاد ، ويكسب المال . وجواب : اسم رجل من بني كلاب ; قال ابن السكيت : سمي جوابا ; لأنه كان لا يحفر بئرا ولا صخرة إلا أماهها . وجاب النعل جوبا : قدها . والمجوب : الذي يجاب به ، وهي حديدة يجاب بها ؛ أي : يقطع . وجاب المفازة والظلمة جوبا واجتابها : قطعها . وجاب البلاد يجوبها جوبا : قطعها سيرا . وجبت البلد واجتبته : قطعته . وجبت البلاد أجوبها وأجيبها إذا قطعتها . وجواب الفلاة : دليلها لقطعه إياها . والجوب : قطعك الشيء كما يجاب الجيب ، يقال : جيب مجوب ومجوب ، وكل مجوف وسطه فهو مجوب . قال الراجز :


واجتاب قيظا يلتظي التظاؤه



وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه - قال للأنصار يوم السقيفة : إنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحى عن قطبها ؛ أي : خرقت العرب عنا ، فكنا وسطا ، وكانت العرب حوالينا كالرحى ، وقطبها : الذي تدور عليه . وانجاب عنه الظلام : انشق . وانجابت الأرض : انخرقت . والجوائب : الأخبار الطارئة ; لأنها تجوب البلاد . تقول : هل جاءكم من جائبة خبر ؟ أي : من طريقة خارقة ، أو خبر يجوب الأرض من بلد إلى بلد ، حكاه ثعلب بالإضافة . وقال الشاعر :


يتنازعون جوائب الأمثال



يعني سوائر تجوب البلاد . والجابة : المدرى من الظباء ، حين جاب قرنها ؛ أي : قطع اللحم وطلع . وقيل : هي الملساء اللينة القرن ; فإن كان على ذلك ، فليس لها اشتقاق . التهذيب عن أبي عبيدة : جابة المدرى من الظباء ، غير مهموز ، حين طلع قرنه . شمر : جابة المدرى ؛ أي : جائبته حين جاب قرنها الجلد ، فطلع ، وهو غير مهموز . وجبت القميص : قورت جيبه أجوبه وأجيبه . وقال شمر : جبته وجبته . قال الراجز :

[ ص: 232 ]

باتت تجيب أدعج الظلام     جيب البيطر مدرع الهمام

قال : وليس من لفظ الجيب ; لأنه من الواو ، والجيب من الياء . قال : وليس بفيعل ; لأنه لم يلفظ به على فيعل . وفي بعض نسخ المصنف : جبت القميص - بالكسر ؛ أي : قورت جيبه . وجيبته : عملت له جيبا ، واجتبت القميص إذا لبسته . قال لبيد :


فبتلك إذ رقص اللوامع بالضحى     واجتاب أردية السراب إكامها

قوله " فبتلك " يعني : بناقته التي وصف سيرها ، والباء في " بتلك " متعلقة بقوله " أقضي " في البيت الذي بعده ، وهو :


أقضي اللبانة لا أفرط ريبة     أو أن يلوم بحاجة لوامها

واجتاب : احتفر . قال لبيد :


تجتاب أصلا قائما متنبذا     بعجوب أنقاء يميل هيامها

يصف بقرة احتفرت كناسا تكتن فيه من المطر في أصل أرطاة . ابن بزرج : جيبت القميص وجوبته . التهذيب : واجتاب فلان ثوبا إذا لبسه . وأنشد :


تحسرت عقة عنها فأنسلها     واجتاب أخرى جديدا بعدما ابتقلا

وفي الحديث : أتاه قوم مجتابي النمار ؛ أي : لابسيها . يقال : اجتبت القميص والظلام ؛ أي : دخلت فيهما . قال : وكل شيء قطع وسطه فهو مجيوب ومجوب ومجوب . ومنه سمي جيب القميص . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - : أخذت إهابا معطونا فجوبت وسطه ، وأدخلته في عنقي . وفي حديث خيفان : وأما هذا الحي من أنمار فجوب أب وأولاد علة ؛ أي : إنهم جيبوا من أب واحد وقطعوا منه . والجوب : الفروج ; لأنها تقطع متصلا . والجوبة : فجوة ما بين البيوت . والجوبة : الحفرة . والجوبة : فضاء أملس سهل بين أرضين . وقال أبو حنيفة : الجوبة من الأرض : الدارة وهي المكان المنجاب الوطيء من الأرض القليل الشجر ، مثل الغائط المستدير ، ولا يكون في رمل ولا جبل ، إنما يكون في أجلاد الأرض ورحابها ، سمي جوبة ; لانجياب الشجر عنها ، والجمع جوبات ، وجوب نادر . والجوبة : موضع ينجاب في الحرة ، والجمع جوب . التهذيب : الجوبة شبه رهوة ، تكون بين ظهراني دور القوم ، يسيل منها ماء المطر . وكل منفتق يتسع فهو جوبة . وفي حديث الاستسقاء : حتى صارت المدينة مثل الجوبة ; قال : هي الحفرة المستديرة الواسعة ، وكل منفتق بلا بناء جوبة ؛ أي : حتى صار الغيم والسحاب محيطا بآفاقالمدينة . والجوبة : الفرجة في السحاب وفي الجبال . وانجابت السحابة : انكشفت . وقول العجاج :


حتى إذا ضوء القمير جوبا     ليلا كأثناء السدوس غيهبا

قال : جوب ؛ أي : نور وكشف وجلى . وفي الحديث : فانجاب السحاب عن المدينة حتى صار كالإكليل ؛ أي : انجمع وتقبض بعضه إلى بعض وانكشف عنها . والجوب : كالبقيرة . وقيل : الجوب الدرع تلبسه المرأة . والجوب : الدلو الضخمة ; عن كراع ، والجوب : الترس ، والجمع أجواب ، وهو المجوب . قال لبيد :


فأجازني منه بطرس ناطق     وبكل أطلس جوبه في المنكب

يعني بكل حبشي جوبه في منكبيه . وفي حديث غزوة أحد : وأبو طلحة مجوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - بحجفة ؛ أي : مترس عليه يقيه بها . ويقال للترس أيضا : جوبة . والجوب : الكانون . قال أبو نخلة :


كالجوب أذكى جمره الصنوبر



وجابان : اسم رجل ، ألفه منقلبة عن واو ، كأنه جوبان ، فقلبت الواو قلبا لغير علة ، وإنما قيل فيه : إنه فعلان ، ولم يقل إنه فاعال ، من ( ج ب ن ) لقول الشاعر :


عشيت جابان حتى استد مغرضه     وكاد يهلك لولا أنه اطافا
قولا لجابان فليلحق بطيته     نوم الضحى بعد نوم الليل إسراف

فترك صرف " جابان " فدل ذلك على أنه فعلان . ويقال : فلان فيه جوبان من خلق ؛ أي : ضربان لا يثبت على خلق واحد ; قال ذو الرمة :


جوبين من هماهم الأغوال



أي تسمع ضربين من أصوات الغيلان . وفي صفة نهر الجنة : حافتاه الياقوت المجيب . وجاء في معالم السنن : المجيب أو المجوب ، بالباء فيهما على الشك ، وأصله : من جبت الشيء إذا قطعته ، وسنذكره أيضا في " جيب " . والجابتان : موضعان . قال أبو صخر الهذلي :


لمن الديار تلوح كالوشم     بالجابتين فروضة الحزم

وتجوب : قبيلة من حمير ، حلفاء لمراد ، منهم ابن ملجم - لعنه الله . قال الكميت :


ألا إن خير الناس بعد ثلاثة     قتيل التجوبي الذي جاء من مصر

هذا قول الجوهري . قال ابن بري : البيت للوليد بن عقبة ، وليس للكميت كما ذكر ، وصواب إنشاده :


قتيل التجيبي الذي جاء من مصر



وإنما غلطه في ذلك أنه ظن أن الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان - رضوان الله عليهم - فظن أنه في علي - رضي الله عنه - فقال " التجوبي " بالواو ، وإنما الثلاثة : سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - لأن الوليد رثى بهذا الشعر عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وقاتله كنانة بن بشر التجيبي ، وأما قاتل علي - رضي الله عنه - فهو التجوبي ; ورأيت في حاشية ما مثاله : أنشد أبو عبيد البكري - رحمه الله - في كتابه " فصل المقال في شرح كتاب الأمثال " هذا البيت الذي هو :

[ ص: 233 ]

ألا إن خير الناس بعد ثلاثة



لنائلة بنت الفرافصة بن الأحوص الكلبية زوج عثمان - رضي الله عنه - ترثيه ، وبعده :


وما لي لا أبكي وتبكي قرابتي     وقد حجبت عنا فضول أبي عمرو

التالي السابق


الخدمات العلمية