صفحة جزء
[ حسب ]

حسب : في أسماء الله تعالى الحسيب : هو الكافي ، فعيل بمعنى مفعل ، من أحسبني الشيء إذا كفاني . والحسب : الكرم . والحسب : الشرف الثابت في الآباء ، وقيل : هو الشرف في الفعل ، عن ابن الأعرابي . والحسب : ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه . والحسب : الفعال الصالح ، حكاه ثعلب . وما له حسب ولا نسب ، الحسب : الفعال الصالح ، والنسب : الأصل ; والفعل من كل ذلك : حسب ، بالضم ، حسبا وحسابة ، مثل خطب خطابة ، فهو حسيب ; أنشد ثعلب :


ورب حسيب الأصل غير حسيب



أي له آباء يفعلون الخير ولا يفعله هو ; والجمع حسباء . ورجل كريم الحسب ، وقوم حسباء . وفي الحديث : الحسب : المال ، والكرم : التقوى . يقول : الذي يقوم مقام الشرف والسراوة ؛ إنما هو المال . والحسب : الدين . والحسب : البال ، عن كراع ، ولا فعل لهما . قال ابن السكيت : والحسب والكرم يكونان في الرجل ، وإن لم يكن له آباء لهم شرف . قال : والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء فجعل المال بمنزلة شرف النفس أو الآباء ، والمعنى أن الفقير ذا الحسب لا يوقر ، ولا يحتفل به ، والغني الذي لا حسب له ، يوقر ويجل في العيون . وفي الحديث : حسب الرجل خلقه ، وكرمه دينه . والحديث الآخر : حسب الرجل نقاء ثوبيه ; أي إنه يوقر لذلك ، حيث هو دليل الثروة والجدة . وفي الحديث : تنكح المرأة لمالها وحسبها وميسمها ودينها ، فعليك بذات الدين ، تربت يداك ; قال ابن الأثير : قيل الحسب هاهنا : الفعال الحسن . قال الأزهري : والفقهاء يحتاجون إلى معرفة الحسب ؛ لأنه مما يعتبر به مهر مثل المرأة ، إذا عقد النكاح على مهر فاسد ، قال : وقال شمر في كتابه المؤلف في غريب الحديث : الحسب الفعال الحسن له ولآبائه ، مأخوذ من الحساب إذا حسبوا مناقبهم ; وقال المتلمس :


ومن كان ذا نسب كريم ، ولم يكن     له حسب ، كان اللئيم المذمما



ففرق بين الحسب والنسب ، فجعل النسب عدد الآباء والأمهات ، إلى حيث انتهى . والحسب : الفعال ، مثل الشجاعة والجود ، وحسن الخلق والوفاء . قال الأزهري : وهذا الذي قاله شمر صحيح ؛ وإنما سميت مساعي الرجل ومآثر آبائه حسبا ، لأنهم كانوا إذا تفاخروا عد المفاخر منهم مناقبه ومآثر آبائه وحسبها ; فالحسب : العد والإحصاء ; والحسب ما عد ; وكذلك العد ، مصدر عد يعد ، والمعدود عدد . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه ، أنه قال : حسب المرء دينه ، ومروءته خلقه ، وأصله عقله . وفي الحديث : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( كرم المرء دينه ، ومروءته عقله ، وحسبه خلقه ) ورجل شريف ورجل ماجد : له آباء متقدمون في الشرف ; ورجل حسيب ، ورجل كريم بنفسه . قال الأزهري : أراد أن الحسب يحصل للرجل بكرم أخلاقه ، وإن لم يكن له نسب ، وإذا كان حسيب الآباء ، فهو أكرم له . وفي حديث وفد هوازن : قال لهم : اختاروا إحدى الطائفتين : إما المال ، وإما السبي . فقالوا : أما إذ خيرتنا بين المال والحسب ؛ فإنا نختار الحسب ، فاختاروا أبناءهم ونساءهم ; أرادوا أن فكاك الأسرى وإيثاره على استرجاع المال حسب وفعال حسن ، فهو بالاختيار أجدر ; وقيل : المراد بالحسب هاهنا عدد ذوي القرابات ، مأخوذ من الحساب ، وذلك أنهم إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثرهم ، فالحسب العد والمعدود ، والحسب والحسب قدر الشيء ، كقولك : الأجر بحسب ما عملت . وحسبه أي قدره ; وكقولك : على حسب ما أسديت إلي شكري لك ، تقول أشكرك على حسب بلائك عندي أي على قدر ذلك . وحسب مجزوم : بمعنى كفى ، قال سيبويه : وأما حسب ؛ فمعناها الاكتفاء . وحسبك درهم أي كفاك ، وهو اسم ، وتقول : حسبك ذلك أي كفاك ذلك ; وأنشد ابن السكيت :


ولم يكن ملك للقوم ينزلهم     إلا صلاصل لا تلوى على حسب



وقوله : لا تلوى على حسب ، أي يقسم بينهم بالسوية لا يؤثر به أحد ، وقيل : لا تلوى على حسب أي لا تلوى على الكفاية ، لعوز الماء وقلته . ويقال : أحسبني ما أعطاني أي كفاني . ومررت برجل حسبك من رجل أي كافيك ، لا يثنى ولا يجمع لأنه موضوع موضع المصدر ; وقالوا : هذا عربي حسبة ، انتصب لأنه حال وقع فيه الأمر ، كما انتصب دنيا ، في قولك : هو ابن عمي دنيا ، كأنك قلت : هذا عربي اكتفاء ، وإن لم يتكلم بذلك ; وتقول : هذا رجل حسبك من رجل ، وهو مدح للنكرة ، لأن فيه تأويل فعل ، كأنه قال : محسب لك أي كاف لك من غيره ، يستوي فيه الواحد والجمع والتثنية ، لأنه مصدر ، وتقول في المعرفة : هذا عبد الله حسبك من رجل ، فتنصب حسبك على الحال ، وإن أردت الفعل في " حسبك " قلت : مررت برجل أحسبك من رجل ، وبرجلين أحسباك ، وبرجال أحسبوك ، ولك أن تتكلم بحسب مفردة ، تقول رأيت زيدا حسب يا فتى ، كأنك قلت : حسبي أو حسبك ، فأضمرت هذا فلذلك لم تنون ، لأنك أردت الإضافة ، كما تقول : جاءني زيد ليس غير ، تريد ليس غيره عندي . وأحسبني الشيء : كفاني ; قالت امرأة من بني قشير :


ونقفي وليد الحي ، إن كان جائعا     ونحسبه ، إن كان ليس بجائع



أي نعطيه حتى يقول حسبي . وقولها : نقفيه أي نؤثره بالقفية ، ويقال لها القفاوة أيضا ، وهي ما يؤثر به الضيف والصبي . وتقول : أعطى فأحسب أي أكثر حتى قال حسبي . أبو زيد : أحسبت الرجل : أعطيته ما يرضى ; وقال غيره : حتى قال حسبي ; وقال ثعلب : أحسبه من كل شيء : أعطاه حسبه ، وما كفاه . وقال الفراء في قوله تعالى : ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين جاء التفسير يكفيك الله ، ويكفي من اتبعك ; قال : وموضع الكاف في حسبك وموضع ( من ) نصب على التفسير كما قال الشاعر :


إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا [ ص: 113 ]     فحسبك والضحاك سيف مهند



قال أبو العباس : معنى الآية يكفيك الله ويكفي من اتبعك ; وقيل في قوله : ومن اتبعك من المؤمنين قولان : أحدهما حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين كفاية إذا نصرهم الله ، والثاني حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين ، أي يكفيكم الله جميعا . وقال أبو إسحاق في قوله ، عز وجل : وكفى بالله حسيبا : يكون بمعنى محاسبا ، ويكون بمعنى كافيا ; وقال في قوله تعالى : إن الله كان على كل شيء حسيبا أي يعطي كل شيء من العلم والحفظ والجزاء مقدار ما يحسبه أي يكفيه . تقول : حسبك هذا أي اكتف بهذا . وفي حديث عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، قال له النبي ، صلى الله عليه وسلم : يحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام أي يكفيك ; قال ابن الأثير : ولو روي بحسبك أن تصوم أي كفايتك أو كافيك ، كقولهم بحسبك قول السوء ، والباء زائدة ، لكان وجها . والإحساب : الإكفاء . قال الراعي :


خراخر ، تحسب الصقعي ، حتى     يظل يقره الراعي سجالا



وإبل محسبة : لها لحم وشحم كثير ; وأنشد :


ومحسبة قد أخطأ الحق غيرها     تنفس عنها حينها فهي كالشوي



يقول : حسبها من هذا وقوله : قد أخطأ الحق غيرها ، يقول : قد أخطأ الحق غيرها من نظرائها ، ومعناه أنه لا يوجب للضيوف ولا يقوم بحقوقهم إلا نحن . وقوله : تنفس عنها حينها فهي كالشوي ، كأنه نقض للأول ، وليس بنقض ، إنما يريد : تنفس عنها حينها قبل الضيف ، ثم نحرناها بعد للضيف ، والشوي هنا : المشوي . قال : وعندي أن الكاف زائدة ، وإنما أراد فهي شوي أي فريق مشوي أو منشو ، وأراد : وطبيخ ، فاجتزأ بالشوي من الطبيخ . قال أحمد بن يحيى : سألت ابن الأعرابي عن قول عروة بن الورد :


ومحسبة ما أخطأ الحق غيرها



البيت ، فقال : المحسبة بمعنيين : من الحسب وهو الشرف ، ومن الإحساب وهو الكفاية ، أي إنها تحسب بلبنها أهلها والضيف ، و ( ما ) صلة ، المعنى : أنها نحرت هي وسلم غيرها . وقال بعضهم : لأحسبنكم من الأسودين : يعني التمر والماء ; أي لأوسعن عليكم . وأحسب الرجل وحسبه : أطعمه وسقاه حتى يشبع ويروى من هذا ، وقيل : أعطاه ما يرضيه . والحساب : الكثير . وفي التنزيل : عطاء حسابا أي كثيرا كافيا ; وكل من أرضي فقد أحسب . وشيء حساب أي كاف . ويقال : أتاني حساب من الناس أي جماعة كثيرة ، وهي لغة هذيل . وقال ساعدة بن جؤية الهذلي :


فلم ينتبه ، حتى أحاط بظهره     حساب وسرب ، كالجراد يسوم



والحساب والحسابة : عدك الشيء . وحسب الشيء يحسبه ، بالضم ، حسبا وحسابا وحسابة : عده . أنشد ابن الأعرابي لمنظور بن مرثد الأسدي :


يا جمل أسقيت بلا حسابه


سقيا مليك حسن الربابه


قتلتني بالدل والخلابه



أي أسقيت بلا حساب ولا هنداز ، ويجوز في حسن الرفع والنصب والجر ، وأورد الجوهري هذا الرجز : يا جمل أسقاك ، وصواب إنشاده : يا جمل أسقيت ، وكذلك هو في رجزه . والربابة ، بالكسر : القيام على الشيء بإصلاحه وتربيته ; ومنه ما يقال : رب فلان النعمة يربها ربا وربابة . وحسبه أيضا حسبة : مثل القعدة والركبة . قال النابغة :


فكملت مائة فيها حمامتها     وأسرعت حسبة في ذلك العدد



وحسبانا : عده . وحسبانك على الله أي حسابك . قال :


على الله حسباني إذا النفس أشرفت     على طمع ، أو خاف شيئا ضميرها



وفي التهذيب : حسبت الشيء أحسبه حسابا وحسبت الشيء أحسبه حسبانا وحسبانا . وقوله تعالى : والله سريع الحساب أي حسابه واقع لا محالة ، وكل واقع فهو سريع ، وسرعة حساب الله ، أنه لا يشغله حساب واحد عن محاسبة الآخر ; لأنه سبحانه لا يشغله سمع عن سمع ، ولا شأن عن شأن . وقوله ، جل وعز : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا أي كفى بك لنفسك محاسبا . والحسبان : الحساب . وفي الحديث : أفضل العمل منح الرغاب ، لا يعلم حسبان أجره إلا الله . الحسبان ، بالضم : الحساب . وفي التنزيل : الشمس والقمر بحسبان معناه بحساب ومنازل لا يعدوانها . وقال الزجاج : بحسبان يدل على عدد الشهور والسنين وجميع الأوقات . وقال الأخفش في قوله تعالى : والشمس والقمر حسبانا : معناه بحساب ، فحذف الباء . وقال أبو العباس : حسبانا مصدر ، كما تقول : حسبته أحسبه حسبانا وحسبانا ; وجعله الأخفش جمع حساب ; وقال أبو الهيثم : الحسبان جمع حساب ، وكذلك أحسبة ، مثل شهاب وأشهبة وشهبان . وقوله تعالى : يرزق من يشاء بغير حساب أي بغير تقتير وتضييق ، كقولك : فلان ينفق بغير حساب ; أي يوسع النفقة ، ولا يحسبها ; وقد اختلف في تفسيره ، فقال بعضهم : بغير تقدير على أحد بالنقصان ، وقال بعضهم : بغير محاسبة أي لا يخاف أن يحاسبه أحد عليه ; وقيل : بغير أن حسب المعطى أنه يعطيه ، أعطاه من حيث لم يحتسب . قال الأزهري : وأما قوله ، عز وجل : ويرزقه من حيث لا يحتسب فجائز أن يكون معناه من حيث لا يقدره ولا يظنه كائنا ، من حسبت أحسب ، أي ظننت ، وجائز أن يكون مأخوذا من حسبت أحسب ، أراد من حيث لم يحسبه لنفسه رزقا ولا عده في حسابه . قال الأزهري : وإنما سمي الحساب في المعاملات حسابا ؛ لأنه يعلم به ما فيه كفاية ليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان . وقوله أنشده ابن الأعرابي :


إذا نديت أقرابه لا يحاسب



يقول : لا يقتر عليك الجري ، ولكنه يأتي بجري كثير . والمعدود [ ص: 114 ] محسوب وحسب أيضا ، وهو فعل بمعنى مفعول ، مثل نفض بمعنى منفوض ; ومنه قولهم : ليكن عملك بحسب ذلك ، أي على قدره وعدده . وقال الكسائي : ما أدري ما حسب حديثك ، أي ما قدره ، وربما سكن في ضرورة الشعر . وحاسبه : من المحاسبة . ورجل حاسب من قوم حسب وحساب . والحسبة : مصدر احتسابك الأجر على الله ، تقول : فعلته حسبة ، واحتسب فيه احتسابا ; والاحتساب : طلب الأجر والاسم : الحسبة ، بالكسر ، وهو الأجر . واحتسب فلان ابنا له أو ابنة له إذا مات وهو كبير ، وافترط فرطا إذا مات له ولد صغير ، لم يبلغ الحلم ; وفي الحديث : ( من مات له ولد فاحتسبه ) أي احتسب الأجر بصبره على مصيبته به معناه : اعتد مصيبته به في جملة بلايا الله ، التي يثاب على الصبر عليها ، واحتسب بكذا أجرا عند الله ، والجمع الحسب . وفي الحديث : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ) أي طلبا لوجه الله ، تعالى وثوابه . والاحتساب من الحسب : كالاعتداد من العد ; وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله : احتسبه ، لأن له حينئذ أن يعتد عمله ، فجعل في حال مباشرة الفعل ؛ كأنه معتد به . والحسبة : اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد . والاحتساب في الأعمال الصالحات وعند المكروهات : هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر ، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها ، طلبا للثواب المرجو منها . وفي حديث عمر : أيها الناس ، احتسبوا أعمالكم ، فإن من احتسب عمله ، كتب له أجر عمله وأجر حسبته . وحسب الشيء كائنا يحسبه ويحسبه ، والكسر أجود اللغتين ، حسبانا ومحسبة ومحسبة : ظنه ; ومحسبة : مصدر نادر ، وإنما هو نادر عندي على من قال يحسب ففتح ، وأما على من قال يحسب فكسر فليس بنادر . وفي الصحاح : ويقال : أحسبه ، بالكسر ، وهو شاذ لأن كل فعل كان ماضيه مكسورا ؛ فإن مستقبله يأتي مفتوح العين ، نحو علم يعلم ، إلا أربعة أحرف جاءت نوادر : حسب يحسب ، ويبس ييبس ، ويئس ييئس ، ونعم ينعم ، فإنها جاءت من السالم ، بالكسر والفتح . ومن المعتل ما جاء ماضيه ومستقبله جميعا بالكسر : ومق يمق ، ووفق يفق ، ووثق يثق ، وورع يرع ، وورم يرم ، وورث يرث ، ووري الزند يري ، وولي يلي . وقرئ قوله تعالى : ( لا تحسبن ) ولا تحسبن . وقوله : أم حسبت أن أصحاب الكهف الخطاب للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، والمراد الأمة . وروى الأزهري عن جابر بن عبد الله : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قرأ : يحسب أن ماله أخلده . معنى أخلده أي يخلده ومثله : ونادى أصحاب النار أي ينادي ; وقال الحطيئة :


شهد الحطيئة ، حين يلقى ، ربه     أن الوليد أحق بالعذر



يريد : يشهد حين يلقى ربه . وقولهم : حسيبك الله أي انتقم الله منك . والحسبان ، بالضم : العذاب والبلاء . وفي حديث يحيى بن يعمر : كان إذا هبت الريح ، يقول : لا تجعلها حسبانا ; أي عذابا . وقوله تعالى : جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء يعني نارا . والحسبان أيضا : الجراد والعجاج . قال أبو زياد : الحسبان شر وبلاء ، والحسبان : سهام صغار يرمى بها عن القسي الفارسية ، واحدتها حسبانة . قال ابن دريد : هو مولد . وقال ابن شميل : الحسبان سهام يرمي بها الرجل في جوف قصبة ، ينزع في القوس ثم يرمي بعشرين منها فلا تمر بشيء إلا عقرته ، من صاحب سلاح وغيره ، فإذا نزع في القصبة خرجت الحسبان ، كأنها غبية مطر ، فتفرقت في الناس ; واحدتها حسبانة . وقال ثعلب : الحسبان : المرامي ، واحدتها حسبانة ، والمرامي : مثل المسال دقيقة ، فيها شيء من طول لا حروف لها . قال : والقدح بالحديدة مرماة ، وبالمرامي فسر قوله تعالى : جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء . والحسبانة : الصاعقة . والحسبانة : السحابة . وقال الزجاج : ويرسل عليها حسبانا قال : الحسبان في اللغة الحساب . قال تعالى : الشمس والقمر بحسبان أي بحساب . قال : فالمعنى في هذه الآية أن يرسل عليها عذاب حسبان ، وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك . قال الأزهري : والذي قاله الزجاج في تفسير هذه الآية بعيد ، والقول ما تقدم ; والمعنى ، والله أعلم : أن الله يرسل على جنة الكافر ، مرامي من عذاب النار ، إما بردا وإما حجارة ، أو غيرهما مما شاء ، فيهلكها ويبطل غلتها وأصلها . والحسبانة : الوسادة الصغيرة ، تقول منه : حسبته إذا وسدته . قال نهيك الفزاري ، يخاطب عامر بن الطفيل :


لتقيت ، بالوجعاء ، طعنة مرهف     مران أو لثويت غير محسب



الوجعاء : الاست . يقول : لو طعنتك لوليتني دبرك ، واتقيت طعنتي بوجعائك ، ولثويت هالكا ، غير مكرم لا موسد ولا مكفن ; أو معناه : أنه لم يرفعك حسبك فينجيك من الموت ، ولم يعظم حسبك . والمحسبة : الوسادة من الأدم . وحسبه : أجلسه على الحسبانة أو المحسبة . ابن الأعرابي : يقال لبساط البيت : الحلس ، ولمخاده : المنابذ ، ولمساوره : الحسبانات ، ولحصره : الفحول . وفي حديث طلحة : هذا ما اشترى طلحة من فلان فتاه بخمسمائة درهم بالحسب والطيب ; أي بالكرامة من المشتري والبائع ، والرغبة وطيب النفس منهما ، وهو من حسبته إذا أكرمته ، وقيل : من الحسبانة وهي الوسادة الصغيرة ، وفي حديث سماك ، قال شعبة : سمعته يقول : ما حسبوا ضيفهم شيئا أي ما أكرموه . والأحسب : الذي ابيضت جلدته من داء ، ففسدت شعرته ، فصار أحمر وأبيض ; يكون ذلك في الناس والإبل . قال الأزهري عن الليث : وهو الأبرص . وفي الصحاح : الأحسب من الناس : الذي في شعر رأسه شقرة . قال امرؤ القيس :


أيا هند ! لا تنكحي بوهة     عليه عقيقته ، أحسبا



يصفه باللؤم والشح . يقول : كأنه لم تحلق عقيقته في صغره حتى شاخ . والبوهة : البومة العظيمة ، تضرب مثلا للرجل الذي لا خير فيه . وعقيقته : شعره الذي يولد به . يقول : لا تتزوجي من هذه [ ص: 115 ] صفته ; وقيل هو من الإبل الذي فيه سواد وحمرة أو بياض ، والاسم الحسبة تقول منه : أحسب البعير إحسابا . والأحسب : الأبرص . ابن الأعرابي : الحسبة سواد يضرب إلى الحمرة ; والكهبة : صفرة تضرب إلى حمرة ; والقهبة : سواد يضرب إلى الخضرة ; والشهبة : سواد وبياض ; والحلبة : سواد صرف ; والشربة : بياض مشرب بحمرة ; واللهبة : بياض ناصع نقي ; والنوبة : لون الخلاسي ، وهو الذي أخذ من سواد شيئا ومن بياض شيئا كأنه ولد من عربي وحبشية . وقال أبو زياد الكلابي الأحسب من الإبل : الذي فيه سواد وحمرة وبياض ، والأكلف نحوه . وقال شمر : هو الذي لا لون له ، الذي يقال فيه أحسب كذا وأحسب كذا . والحسب والتحسيب : دفن الميت ; وقيل : تكفينه ; وقيل : هو دفن الميت في الحجارة ; وأنشد :


غداة ثوى في الرمل ، غير محسب



أي غير مدفون ، وقيل : غير مكفن ، ولا مكرم ، وقيل : غير موسد ، والأول أحسن . قال الأزهري : لا أعرف التحسيب بمعنى الدفن في الحجارة ، ولا بمعنى التكفين ، والمعنى في قوله غير محسب أي غير موسد . وإنه لحسن الحسبة في الأمر أي حسن التدبير والنظر فيه ، وليس هو من احتساب الأجر . وفلان محتسب البلد ، ولا تقل محسبه . وتحسب الخبر : استخبر عنه ، حجازية . قال أبو سدرة الأسدي ، ويقال : إنه هجيمي ، ويقال : إنه لرجل من بني الهجيم :


تحسب هواس ، وأيقن أنني     بها مفتد من واحد لا أغامره



فقلت له : فاها لفيك ؛ فإنها قلوص امرئ ، قاريك ما أنت حاذره

يقول : تشمم هواس ، وهو الأسد ، ناقتي ، وظن أني أتركها له ، ولا أقاتله . ومعنى لا أغامره أي لا أخالطه بالسيف ، ومعنى من واحد أي من حذر واحد ، والهاء في فاها تعود على الداهية ، أي ألزم الله فاها لفيك ، وقوله : قاريك ما أنت حاذره ، أي لا قرى لك عندي إلا السيف . واحتسبت فلانا : اختبرت ما عنده ، والنساء يحتسبن ما عند الرجال لهن أي يختبرن . أبو عبيد : ذهب فلان يتحسب الأخبار أي يتجسسها ، بالجيم ، ويتحسسها ، ويطلبها تحسبا . وفي حديث الأذان : أنهم كانوا يجتمعون فيتحسبون الصلاة فيجيئون بلا داع ، أي يتعرفون ويتطلبون وقتها ويتوقعونه فيأتون المسجد قبل أن يسمعوا الأذان ; والمشهور في الرواية : يتحينون من الحين الوقت أي يطلبون حينها . وفي حديث بعض الغزوات : أنهم كانوا يتحسبون الأخبار أي يتطلبونها . واحتسب فلان على فلان : أنكر عليه قبيح عمله ; وقد سمت ( أي العرب ) حسيبا وحسيبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية