صفحة جزء
[ حكم ]

حكم : الله - سبحانه وتعالى - أحكم الحاكمين ، وهو الحكيم له الحكم ، سبحانه وتعالى . قال الليث : الحكم الله - تعالى . الأزهري : من صفات الله الحكم والحكيم والحاكم ، ومعاني هذه الأسماء متقاربة ، والله أعلم ، بما أراد بها وعلينا الإيمان بأنها من أسمائه . ابن الأثير : في أسماء الله - تعالى - الحكم والحكيم وهما بمعنى الحاكم ، وهو القاضي ، فهو فعيل بمعنى فاعل ، أو هو الذي يحكم الأشياء ويتقنها ، فهو فعيل بمعنى مفعل ، وقيل : الحكيم ذو الحكمة ، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم . ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها : حكيم ، والحكيم يجوز أن يكون بمعنى الحاكم مثل قدير بمعنى قادر وعليم بمعنى عالم . الجوهري : الحكم الحكمة من العلم ، والحكيم العالم وصاحب الحكمة . وقد حكم أي صار حكيما ; قال النمر بن تولب :


وأبغض بغيضك بغضا رويدا إذا أنت حاولت أن تحكما



أي إذا حاولت أن تكون حكيما . والحكم : العلم والفقه ; قال الله - تعالى : وآتيناه الحكم صبيا أي علما وفقها ، هذا ليحيى بن زكريا ; وكذلك قوله :


الصمت حكم وقليل فاعله



وفي الحديث : ( إن من الشعر لحكما ) أي إن في الشعر كلاما نافعا يمنع من الجهل والسفه وينهى عنهما ، قيل : أراد بها المواعظ والأمثال التي ينتفع الناس بها . والحكم : العلم والفقه والقضاء بالعدل ، وهو مصدر حكم يحكم ويروى : ( إن من الشعر لحكمة ) وهو بمعنى الحكم ; ومنه الحديث : الخلافة في قريش والحكم في الأنصار . خصهم بالحكم ؛ لأن أكثر فقهاء الصحابة فيهم ، منهم معاذ بن جبل ، و أبي بن كعب ، و زيد بن ثابت وغيرهم . قال الليث : بلغني أنه نهى أن يسمى الرجل حكيما ، قال الأزهري : وقد سمى الناس حكيما وحكما ، قال : وما علمت النهي عن التسمية بهما صحيحا . ابن الأثير : وفي حديث أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله هو الحكم ) وكناه بأبي شريح ، وإنما كره له ذلك لئلا يشارك الله في صفته ; وقد سمى الأعشى القصيدة المحكمة حكيمة فقال :


وغريبة ، تأتي الملوك ، حكيمة     قد قلتها ليقال : من ذا قالها ؟



وفي الحديث في صفة القرآن : وهو الذكر الحكيم أي الحاكم لكم وعليكم ، أو هو المحكم الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب ، فعيل بمعنى مفعل ، أحكم فهو محكم . وفي حديث ابن عباس : قرأت المحكم على عهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يريد المفصل من القرآن لأنه لم ينسخ منه شيء ، وقيل : هو ما لم يكن متشابها ؛ لأنه أحكم بيانه بنفسه ولم يفتقر إلى غيره ، والعرب تقول : حكمت وأحكمت وحكمت بمعنى منعت ورددت ، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكم ؛ لأنه يمنع الظالم من الظلم . وروى المنذري عن أبي طالب أنه قال في قولهم : حكم الله بيننا ; قال الأصمعي : أصل الحكومة رد الرجل عن الظلم ، قال : ومنه سميت حكمة اللجام ؛ لأنها ترد الدابة ; ومنه قول لبيد :


أحكم الجنثي من عوراتها     كل حرباء ، إذا أكره صل



والجنثي : السيف ; المعنى : رد السيف عن عورات الدرع وهي فرجها كل حرباء ، وقيل : المعنى أحرز الجنثي وهو الزراد مساميرها ، ومعنى الإحكام حينئذ الإحراز . قال ابن سيده : الحكم القضاء ، وجمعه أحكام ، لا يكسر على غير ذلك ، وقد حكم عليه بالأمر يحكم حكما وحكومة وحكم بينهم كذلك . والحكم : مصدر قولك حكم بينهم يحكم أي قضى ، وحكم له وحكم عليه . الأزهري : الحكم القضاء بالعدل ; قال النابغة :


واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت     إلى حمام سراع وارد الثمد



وحكى يعقوب عن الرواة أن معنى هذا البيت : كن حكيما كفتاة الحي أي إذا قلت فأصب كما أصابت هذه المرأة ، إذ نظرت إلى الحمام فأحصتها ولم تخطيء عددها ; قال : ويدلك على أن معنى احكم كن حكيما قول النمر بن تولب :


إذا أنت حاولت أن تحكما



يريد إذا أردت أن تكون حكيما فكن كذا ، وليس من الحكم في القضاء في شيء . والحاكم : منفذ الحكم ، والجمع حكام ، وهو الحكم . وحاكمه إلى الحكم : دعاه . وفي الحديث : وبك حاكمت أي رفعت الحكم إليك ولا حكم إلا لك ، وقيل : بك خاصمت في طلب الحكم وإبطال من نازعني في الدين ، وهي مفاعلة من الحكم . وحكموه بينهم : أمروه أن يحكم . ويقال حكمنا فلانا فيما بيننا أي أجزنا حكمه بيننا . وحكمه في الأمر فاحتكم : جاز فيه حكمه ، جاء فيه المطاوع على غير بابه والقياس فتحكم ، والاسم الأحكومة والحكومة ; قال :


ولمثل الذي جمعت لريب     الدهر يأبى حكومة المقتال



يعني لا ينفذ حكومة من يحتكم عليك من الأعداء ، ومعناه يأبى حكومة المحتكم عليك ، وهو المقتال ، فجعل المحتكم المقتال ، وهو المفتعل من القول حاجة منه إلى القافية ، ويقال : هو كلام مستعمل ، يقال : اقتل علي أي احتكم ، ويقال : حكمته في مالي إذا جعلت إليه الحكم فيه فاحتكم علي في ذلك . واحتكم فلان في مال فلان إذا جاز فيه حكمه ، والمحاكمة : المخاصمة إلى الحاكم ، واحتكموا إلى الحاكم وتحاكموا بمعنى . وقولهم في المثل : في بيته يؤتى الحكم ; [ ص: 187 ] الحكم ، بالتحريك : الحاكم ; وأنشد ابن بري :


أقادت بنو مروان قيسا دماءنا     وفي الله ، إن لم يحكموا ، حكم عدل



والحكمة : القضاة . والحكمة : المستهزئون . ويقال : حكمت فلانا أي أطلقت يده فيما شاء . وحاكمنا فلانا إلى الله أي دعوناه إلى حكم الله . والمحكم : الشاري . والمحكم : الذي يحكم في نفسه . قال الجوهري : والخوارج يسمون المحكمة لإنكارهم أمر الحكمين وقولهم : لا حكم إلا لله . قال ابن سيده : وتحكيم الحرورية قولهم لا حكم إلا لله ولا حكم إلا الله ، وكأن هذا على السلب ؛ لأنهم ينفون الحكم ; قال :


فكأني ، وما أزين منها     قعدي يزين التحكيما



وقيل : إنما بدء ذلك في أمر علي عليه السلام ، و معاوية . والحكمان : أبو موسى الأشعري ، و عمرو بن العاص . وفي الحديث : إن الجنة للمحكمين ، ويروى بفتح الكاف وكسرها ، فالفتح هم الذين يقعون في يد العدو فيخيرون بين الشرك والقتل فيختارون القتل ; قال الجوهري : هم قوم من أصحاب الأخدود فعل بهم ذلك ، حكموا وخيروا بين القتل والكفر ، فاختاروا الثبات على الإسلام مع القتل ، قال : وأما الكسر فهو المنصف من نفسه ; قال ابن الأثير : والأول الوجه ; ومنه حديث كعب : إن في الجنة دارا ، ووصفها ثم قال : لا ينزلها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو محكم في نفسه . ومحكم اليمامة : رجل قتله خالد بن الوليد يوم مسيلمة . والمحكم ، بفتح الكاف ، الذي في شعر طرفة إذ يقول :


ليت المحكم والموعوظ صوتكما     تحت التراب ، إذا ما الباطل انكشفا



هو الشيخ المجرب المنسوب إلى الحكمة . والحكمة : العدل : ورجل حكيم : عدل حكيم . وأحكم الأمر : أتقنه ، وأحكمته التجارب على المثل ، وهو من ذلك . ويقال للرجل إذا كان حكيما : قد أحكمته التجارب . والحكيم : المتقن للأمور ، واستعمل ثعلب هذا في فرج المرأة فقال : المكثفة من النساء المحكمة الفرج ، وهذا طريف جدا . الأزهري : وحكم الرجل يحكم حكما إذا بلغ النهاية في معناه مدحا لازما ; وقال مرقش :


يأتي الشباب الأقورين ولا     تغبط أخاك أن يقال حكم



أي بلغ النهاية في معناه . أبو عدنان : استحكم الرجل إذا تناهى عما يضره في دينه أو دنياه ; قال ذو الرمة :


لمستحكم جزل المروءة مؤمن     من القوم ، لا يهوى الكلام اللواغيا



وأحكمت الشيء فاستحكم : صار محكما . واحتكم الأمر واستحكم : وثق . الأزهري : وقوله تعالى : كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير فإن التفسير جاء : أحكمت آياته بالأمر والنهي والحلال والحرام ثم فصلت بالوعد والوعيد ، قال : والمعنى ، والله أعلم ، أن آياته أحكمت وفصلت بجميع ما يحتاج إليه من الدلالة على توحيد الله وتثبيت نبوة الأنبياء وشرائع الإسلام ، والدليل على ذلك قول الله - عز وجل : ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال بعضهم في قول الله - تعالى : الر تلك آيات الكتاب الحكيم إنه فعيل بمعنى مفعل ، واستدل بقوله - عز وجل : الر كتاب أحكمت آياته قال الأزهري : وهذا - إن شاء الله - كما قيل ، والقرآن يوضح بعضه بعضا ، قال : وإنما جوزنا ذلك وصوبناه لأن حكمت يكون بمعنى أحكمت فرد إلى الأصل ، والله أعلم . وحكم الشيء وأحكمه ، كلاهما : منعه من الفساد . قال الأزهري : وروينا عن إبراهيم النخعي أنه قال : حكم اليتيم كما تحكم ولدك أي امنعه من الفساد وأصلحه كما تصلح ولدك وكما تمنعه من الفساد ، قال : وكل من منعته من شيء فقد حكمته وأحكمته ، قال : ونرى أن حكمة الدابة سميت بهذا المعنى ؛ لأنها تمنع الدابة من كثير من الجهل . وروى شمر عن أبي سعيد الضرير أنه قال في قول النخعي : حكم اليتيم كما تحكم ولدك ; معناه حكمه في ماله وملكه إذا صلح كما تحكم ولدك في ملكه ، ولا يكون حكم بمعنى أحكم ؛ لأنهما ضدان ; قال الأزهري : وقول أبي سعيد الضرير ليس بالمرضي ، ابن الأعرابي : حكم فلان عن الأمر والشيء أي رجع ، وأحكمته أنا أي رجعته ، وأحكمه هو عنه رجعه ; قال جرير :


أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم     إني أخاف عليكم أن أغضبا !



أي ردوهم وكفوهم وامنعوهم من التعرض لي . قال الأزهري : جعل ابن الأعرابي حكم لازما كما ترى ، كما يقال رجعته فرجع ونقصته فنقص ، قال : وما سمعت حكم بمعنى رجع لغير ابن الأعرابي ، قال : وهو الثقة المأمون . وحكم الرجل وحكمه وأحكمه : منعه مما يريد . وفي حديث ابن عباس : كان الرجل يرث امرأة ذات قرابة فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها ، فأحكم الله عن ذلك ونهى عنه أي منع منه . يقال : أحكمت فلانا أي منعته ، وبه سمي الحاكم ؛ لأنه يمنع الظالم ، وقيل : هو من : حكمت الفرس وأحكمته وحكمته إذا قدعته وكففته . وحكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يده ; ومنه قول جرير :


أبني حنيفة ، أحكموا سفهاءكم



وحكمة اللجام : ما أحاط بحنكي الدابة ، وفي الصحاح : بالحنك ، وفيها العذاران ، سميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد ، مشتق من ذلك ، وجمعه حكم . وفي الحديث : وأنا آخذ بحكمة فرسه أي بلجامه . وفي الحديث : ( ما من آدمي إلا وفي رأسه حكمة ) وفي رواية : ( في رأس كل عبد حكمة إذا هم بسيئة ، فإن شاء الله - تعالى - أن يقدعه بها قدعه ) والحكمة : حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه عن مخالفة راكبه ، ولما كانت الحكمة تأخذ بفم الدابة وكان الحنك متصلا بالرأس جعلها تمنع من هي في رأسه كما تمنع [ ص: 188 ] الحكمة الدابة . وحكم الفرس حكما وأحكمه بالحكمة : جعل للجامه حكمة ، وكانت العرب تتخذها من القد والأبق لأن قصدهم الشجاعة لا الزينة ; قال زهير :


القائد الخيل منكوبا دوائرها     قد أحكمت حكمات القد والأبقا



يريد : قد أحكمت بحكمات القد وبحكمات الأبق ، فحذف الحكمات وأقام الأبق مكانها ; ويروى :


محكومة حكمات القد والأبقا



على اللغتين جميعا ; قال أبو الحسن : عدى قد أحكمت لأن فيه معنى قلدت وقلدت متعدية إلى مفعولين . الأزهري : وفرس محكومة في رأسها حكمة ; وأنشد :


محكومة حكمات القد والأبقا



وقد رواه غيره : قد أحكمت ، قال : هذا يدل على جواز حكمت الفرس وأحكمته بمعنى واحد . ابن شميل : الحكمة حلقة تكون في فم الفرس . وحكمة الإنسان : مقدم وجهه . ورفع الله حكمته أي رأسه وشأنه . وفي حديث عمر : إن العبد إذا تواضع رفع الله حكمته أي قدره ومنزلته . يقال : له عندنا حكمة أي قدر ، وفلان عالي الحكمة ، وقيل : الحكمة من الإنسان أسفل وجهه ، مستعار من موضع حكمة اللجام ، ورفعها كناية عن الإعزاز ؛ لأن من صفة الذليل تنكيس رأسه . وحكمة الضائنة : ذقنها . الأزهري : وفي الحديث : في أرش الجراحات الحكومة ; ومعنى الحكومة في أرش الجراحات التي ليس فيها دية معلومة : أن يجرح الإنسان في موضع في بدنه مما يبقي شينه ولا يبطل العضو ، فيقتاس الحاكم أرشه بأن يقول : هذا المجروح لو كان عبدا غير مشين هذا الشين بهذه الجراحة كانت قيمته ألف درهم ، وهو مع هذا الشين قيمته تسعمائة درهم فقد نقصه الشين عشر قيمته ، فيجب على الجارح عشر ديته في الحر لأن المجروح حر ، وهذا وما أشبهه بمعنى الحكومة التي يستعملها الفقهاء في أرش الجراحات ، فاعلمه . وقد سموا حكما وحكيما وحكيما وحكاما وحكمان . وحكم : أبو حي من اليمن . وفي الحديث : ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي حتى حكم وحاء ) وهما قبيلتان جافيتان من وراء رمل يبرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية