صفحة جزء
[ حوب ]

حوب : الحوب والحوبة : الأبوان الأخت والبنت . وقيل : لي فيهم حوبة وحوبة وحيبة أي : قرابة من قبل الأم ، وكذلك كل ذي رحم محرم . وإن لي حوبة أعولها أي : ضعفة وعيالا . ابن السكيت : لي في بني فلان حوبة ، وبعضهم يقول حيبة ، فتذهب الواو إذا انكسر ما قبلها ، وهي كل حرمة تضيع من أم أو أخت أو بنت ، أو غير ذلك من كل ذات رحم . وقال أبو زيد : لي فيهم حوبة إذا كانت قرابة من قبل الأم ، وكذلك كل ذي رحم محرم . وفي الحديث : ( اتقوا الله في الحوبات ) يريد النساء المحتاجات ، اللاتي لا يستغنين عمن يقوم عليهن ، ويتعهدهن ؛ ولا بد في الكلام من حذف مضاف تقديره ذات حوبة ، وذات حوبات . والحوبة : الحاجة . وفي حديث الدعاء : إليك أرفع حوبتي أي : حاجتي . وفي رواية : نرفع حوبتنا إليك أي : حاجتنا . والحوبة رقة فؤاد الأم ؛ قال الفرزدق :


فهب لي خنيسا ، واحتسب فيه منة لحوبة أم ، ما يسوغ شرابها



قال الشيخ ابن بري : والسبب في قول الفرزدق هذا البيت ، أن امرأة عاذت بقبر أبيه غالب ، فقال لها : ما الذي دعاك إلى هذا ؟ فقالت : إن لي ابنا بالسند ، في اعتقال تميم بن زيد القيني وكان عامل خالد القسري على السند ؛ فكتب من ساعته إليه :


كتبت وعجلت البرادة إنني     إذا حاجة حاولت ، عجت ركابها
ولي ، ببلاد السند عند أميرها     حوائج جمات ، وعندي ثوابها
أتتني ، فعاذت ذات شكوى بغالب     وبالحرة ، السافي عليه ترابها
فقلت لها : إيه ؛ اطلبي كل حاجة     لدي ، فخفت حاجة وطلابها
فقالت بحزن : حاجتي أن واحدي     خنيسا ، بأرض السند ، خوى سحابها
فهب لي خنيسا ، واحتسب فيه منة     لحوبة أم ، ما يسوغ شرابها
تميم بن زيد ، لا تكونن حاجتي     بظهر ، ولا يعيا عليك ، جوابها
ولا تقلبن ، ظهرا لبطن ، صحيفتي     فشاهدها ، فيها ، عليك كتابها

فلما ورد الكتاب على تميم ، قال لكاتبه : أتعرف الرجل ؟ فقال : كيف أعرف من لم ينسب إلى أب ولا قبيلة ، ولا تحققت اسمه أهو خنيس أو حبيش ؟ فقال : أحضر كل من اسمه خنيس أو حبيش ؛ فأحضرهم ، فوجد عدتهم أربعين رجلا فأعطى كل واحد منهم ما يتسفر به ، وقال : اقفلوا إلى حضرة أبي فراس . والحوبة والحيبة : الهم والحاجة ؛ قال أبو كبير الهذلي :


ثم انصرفت ، ولا أبثك حيبتي     رعش البنان ، أطيش ، مشي الأصور

وفي الدعاء على الإنسان : ألحق الله به الحوبة ؛ أي : الحاجة والمسكنة والفقر . والحوب : الجهد والحاجة ؛ أنشد ابن الأعرابي :


وصفاحة مثل الفنيق ، منحتها     عيال ابن حوب ، جنبته أقاربه

وقال مرة : ابن حوب رجل مجهود محتاج ، لا يعني في كل ذلك [ ص: 258 ] رجلا بعينه ، إنما يريد هذا النوع . ابن الأعرابي : الحوب : الغم والهم والبلاء . ويقال : هؤلاء عيال ابن حوب . قال : والحوب : الجهد والشدة . الأزهري : والحوب : الهلاك ؛ وقال الهذلي :


وكل حصن ، وإن طالت سلامته     يوما ستدركه النكراء والحوب

أي يهلك . والحوب والحوب : الحزن ؛ وقيل : الوحشة ؛ قال الشاعر :


إن طريق مثقب لحوب

أي وعث صعب . وقيل في قول أبي دواد الإيادي :


يوما ستدركه النكراء والحوب

أي الوحشة ؛ وبه فسر الهروي قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي أيوب الأنصاري وقد ذهب إلى طلاق أم أيوب : " إن طلاق أم أيوب لحوب " . التفسير عن شمر قال ابن الأثير : أي : لوحشة أو إثم . وإنما أثمه بطلاقها لأنها كانت مصلحة له في دينه . والحوب : الوجع . والتحوب : التوجع ، والشكوى ، والتحزن . ويقال : فلان يتحوب من كذا أي : يتغيظ منه ، ويتوجع . وحوبة الأم على ولدها وتحوبها : رقتها وتوجعها . وفيه : ما زال صفوان يتحوب رحالنا منذ الليلة ؛ التحوب : صوت مع توجع ، أراد به شدة صياحه بالدعاء ؛ ورحالنا منصوب على الظرف . والحوبة والحيبة : الهم والحزن . وفي حديث عروة لما مات أبو لهب : أريه بعض أهله بشر حيبة أي : بشر حال . والحيبة والحوبة : الهم والحزن . والحيبة أيضا : الحاجة والمسكنة ؛ قال طفيل الغنوي :


فذوقوا كما ذقنا ، غداة محجر     من الغيظ في أكبادنا والتحوب



وقال أبو عبيد : التحوب في غير هذا التأثم من الشيء ، وهو من الأول ، وبعضه قريب من بعض . ويقال لابن آوى : هو يتحوب ، لأن صوته كذلك ، كأنه يتضور . وتحوب في دعائه : تضرع . والتحوب أيضا : البكاء في جزع وصياح ، وربما عم به الصياح ؛ قال العجاج :


وصرحت عنه ، إذا تحوبا     رواجب الجوف السحيل الصلبا



ويقال : تحوب : إذا تعبد ، كأنه يلقي الحوب عن نفسه ، كما يقال : تأثم وتحنث إذا ألقى الحنث عن نفسه بالعبادة ؛ وقال الكميت يذكر ذئبا سقاه وأطعمه :


وصب له شول ، من الماء ، غائر     به كف عنه ، الحيبة ، المتحوب



والحيبة : ما يتألم منه . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اقبل توبتي ، وارحم حوبتي ) فحوبتي ، يجوز أن تكون هنا توجعي ، وأن تكون تخشعي وتمسكني لك . وفي التهذيب : رب تقبل توبتي واغسل حوبتي . قال أبو عبيد : حوبتي يعني المأثم ، وتفتح الحاء وتضم ، وهو من قوله ، عز وجل : إنه كان حوبا كبيرا . قال : وكل مأثم حوب وحوب ، والواحدة حوبة ؛ ومنه الحديث الآخر : أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني أتيتك لأجاهد معك ؛ فقال : ألك حوبة ؟ قال : نعم . قال : ففيها فجاهد . قال أبو عبيد : يعني ما يأثم به إن ضيعه من حرمة . قال : وبعض أهل العلم يتأوله على الأم خاصة . قال : وهي عندي كل حرمة تضيع إن تركها ، من أم أو أخت أو ابنة أو غيرها . وقولهم : إنما فلان حوبة أي : ليس عنده خير ولا شر . ويقال : سمعت من هذا حوبين ، ورأيت منه حوبين أي : فنين وضربين ؛ وقال ذو الرمة :


تسمع ، من تيهائه الأفلال     حوبين من هماهم الأغوال



: فنين وضربين ، وقد روي بيت ذي الرمة بفتح الحاء . والحوبة والحوبة : الرجل الضعيف ، والجمع حوب ، وكذلك المرأة إذا كانت ضعيفة زمنة . وبات فلان بحيبة سوء وحوبة سوء أي : بحال سوء ؛ وقيل : إذا بات بشدة وحال سيئة لا يقال إلا في الشر ؛ وقد استعمل منه فعل قال :

وإن قلوا وحابوا

ونزلنا بحيبة من الأرض وحوبة أي : بأرض سوء . أبو زيد : الحوب : النفس ، والحوباء : النفس ، ممدودة ساكنة الواو ، والجمع حوباوات ؛ قال رؤبة :


وقاتل حوباءه من أجلي     ليس له مثلي ، وأين مثلي ؟



وقيل : الحوباء روع القلب ؛ قال :


ونفس تجود بحوبائها



وفي حديث ابن العاص : فعرف أنه يريد حوباء نفسه . والحوب والحوب والحاب : الإثم ، فالحوب ، بالفتح ، لأهل الحجاز ، والحوب ، بالضم ، لتميم ، والحوبة : المرة الواحدة منه ؛ قال المخبل :


فلا يدخلن ، الدهر ، قبرك ، حوبة     يقوم ، بها ، يوما ، عليك حسيب



وقد حاب حوبا وحيبة . قال الزجاج : الحوب الإثم ، والحوب فعل الرجل ؛ تقول : حاب حوبا ، كقولك : قد خان خونا . وفي حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( الربا سبعون حوبا ، أيسرها مثل وقوع الرجل على أمه ، وأربى الربا عرض المسلم ) . قال شمر : قوله سبعون حوبا ، كأنه سبعون ضربا من الإثم . الفراء في قوله تعالى : إنه كان حوبا : الحوب الإثم العظيم . وقرأ الحسن : إنه كان حوبا ؛ وروى سعد ، عن قتادة أنه قال : إنه كان حوبا أي : ظلما . وفلان يتحوب من كذا أي : يتأثم . وتحوب الرجل : تأثم . قال ابن جني : تحوب ترك الحوب ، من باب السلب ، ونظيره تأثم أي : ترك الإثم ، وإن كان تفعل للإثبات أكثر منه للسلب ، وكذلك نحو تقدم وتأخر ، وتعجل وتأجل . وفي الحديث : كان إذا دخل إلى أهله قال : " توبا توبا ، لا يغادر علينا حوبا . " ومنه الحديث : إن الجفاء والحوب في أهل الوبر والصوف . وتحوب من الإثم إذا توقاه ، وألقى الحوب عن نفسه . ويقال : حبت بكذا أي : أثمت ، تحوب حوبا وحوبة وحيابة ؛ قال النابغة :


صبرا ، بغيض بن ريث ؛ إنها رحم [ ص: 259 ]     حبتم بها ، فأناختكم بجعجاع



وفلان أعق وأحوب . قال الأزهري : وبنو أسد يقولون : الحائب للقاتل ، وقد حاب يحوب والمحوب والمتحوب الذي يذهب ماله ثم يعود . الليث : الحوب الضخم من الجمال ؛ وأنشد :


ولا شربت في جلد حوب معلب



قال : وسمي الجمل حوبا بزجره ، كما سمي البغل عدسا بزجره ، وسمي الغراب غاقا بصوته . غيره : الحوب الجمل ، ثم كثر حتى صار زجرا له . قال الليث : الحوب زجر البعير ليمضي ، وللناقة : حل ، جزم ، وحل وحلي . يقال لبعير إذا زجر : حوب وحوب وحوب وحاب . وحوب بالإبل : قال لها حوب ، والعرب تجر ذلك ، ولو رفع أو نصب ، لكان جائزا ، لأن الزجز والحكايات تحرك أواخرها ، على غير إعراب لازم ، وكذلك الأدوات التي لا تتمكن في التصريف ، فإذا حول من ذلك شيء إلى الأسماء ، حمل عليه الألف واللام ، فأجري مجرى الأسماء ، كقوله :


والحوب لما يقل والحل



وحوبت بالإبل : من الحوب . وحكى بعضهم : حب لا مشيت ، وحب لا مشيت ، وحاب لا مشيت ، وحاب لا مشيت . وفي الحديث : أنه كان إذا قدم من سفر قال : ( آيبون تائبون ، لربنا حامدون ، حوبا حوبا ) . قال : كأنه لما فرغ من كلامه ، زجر بعيره . والحوب : زجر لذكور الإبل . ابن الأثير : حوب زجر لذكورة الإبل ، مثل حل لإناثها ، وتضم الباء وتفتح وتكسر ، وإذا نكر دخله التنوين ، فقوله : حوبا حوبا ، بمنزلة قولك : سيرا سيرا ؛ فأما قوله :


هي ابنة حوب ، أم تسعين ، آزرت     أخا ثقة ، تمري ، جباها ، ذوائبه



فإنه عنى كنانة عملت من جلد بعير ، وفيها تسعون سهما ، فجعلها أما للسهام ، لأنها قد جمعتها ، وقوله : أخا ثقة ، يعني سيفا ، وجباها : حرفها ، وذوائبه : حمائله أي : إنه تقلد السيف ، ثم تقلد بعده الكنانة تمري حرفها ، يريد حرف الكنانة . وقال بعضهم في كلام له : حوب حوب ، إنه يوم دعق وشوب ، لا لعا لبني الصوب . الدعق : الوطء الشديد ، وذكر الجوهري الحوأب هنا . قال ابن بري : وحقه أن يذكر في حأب ، وقد ذكرناه هناك .

التالي السابق


الخدمات العلمية