صفحة جزء
[ ألا ]

ألا : حرف يفتتح به الكلام ، تقول : ألا إن زيدا خارج كما تقول : اعلم أن زيدا خارج . ثعلب عن سلمة عن الفراء عن الكسائي قال : ألا تكون تنبيها ويكون بعدها أمر أو نهي أو إخبار ، تقول من ذلك : ألا قم ، ألا لا تقم ، ألا إن زيدا قد قام ، وتكون عرضا أيضا ، وقد يكون الفعل بعدها جزما ورفعا ، كل ذلك جاء عن العرب . تقول من ذلك : ألا تنزل تأكل ، وتكون أيضا تقريعا وتوبيخا ويكون الفعل بعدها مرفوعا لا غير ، تقول من ذلك : ألا تندم على فعالك ، ألا تستحي من جيرانك ، ألا تخاف ربك . قال الليث : وقد تردف ألا بلا أخرى فيقال : ألا لا ; وأنشد :


فقام يذود الناس عنها بسيفه وقال : ألا لا من سبيل إلى هند



ويقال للرجل : هل كان كذا وكذا ؟ فيقال : ألا لا ، جعل ألا تنبيها ولا نفيا . غيره : وألا حرف استفتاح واستفهام وتنبيه نحو قول الله - عز وجل - : ألا إنهم من إفكهم ليقولون وقوله - تعالى - : ألا إنهم هم المفسدون قال الفارسي : فإذا دخلت على حرف تنبيه خلصت للاستفتاح كقوله :


ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى

فخلصت هاهنا للاستفتاح وخص التنبيه بيا . وأما ألا التي للعرض فمركبة من لا وألف الاستفهام .

ألا : مفتوحة الهمزة مثقلة لها معنيان : تكون بمعنى هلا فعلت وألا فعلت كذا ، كأن معناه : لم لم تفعل كذا ، وتكون ألا بمعنى أن لا فأدغمت النون في اللام وشددت اللام ، تقول : أمرته ألا يفعل ذلك ، بالإدغام ، ويجوز إظهار النون كقولك : أمرتك أن لا تفعل ذلك . وقد جاء في المصاحف القديمة مدغما في موضع ومظهرا في موضع ، وكل ذلك جائز . وروى ثابت عن مطرف قال : لأن يسألني ربي : ألا فعلت ، أحب إلي من أن يقول لي : لم فعلت ؟ فمعنى ألا فعلت هلا فعلت ، ومعناه : لم لم تفعل . وقال الكسائي : أن لا إذا كانت إخبارا نصبت ورفعت ، وإذا كانت نهيا جزمت .

إلا : الأزهري : إلا تكون استثناء ، وتكون حرف جزاء أصلها إن لا ، وهما معا لا يمالان لأنهما من الأدوات ، والأدوات لا تمال ، مثل حتى وأما وإلا وإذا ، لا يجوز في شيء منها الإمالة لأنها ليست بأسماء ، وكذلك إلى وعلى ولدى الإمالة فيها غير جائزة . وقال سيبويه : ألف إلى وعلى منقلبتان من واوين لأن الألفات لا تكون فيها الإمالة ، قال : ولو سمي به رجل قيل في تثنيته إلوان وعلوان ، فإذا اتصل به المضمر قلبته فقلت : إليك وعليك ، وبعض العرب يتركه على حاله فيقول إلاك وعلاك . قال ابن بري عند قول الجوهري : لأن الألفات لا يكون فيها الإمالة ، قال : صوابه لأن ألفيهما والألف في الحروف أصل وليست بمنقلبة عن ياء ولا واو ولا زائدة ، وإنما قال سيبويه ألف إلى وعلى منقلبتان عن واو إذا سميت بهما وخرجا من الحرفية إلى الاسمية . قال : وقد وهم الجوهري فيما حكاه عنه ، فإذا سميت بهما لحقت بالأسماء فجعلت الألف فيها منقلبة عن الياء وعن الواو نحو : بلى وإلى وعلى ، فما سمع فيه الإمالة يثنى بالياء نحو بلى ، تقول فيها بليان ، وما لم يسمع فيه الإمالة ثني بالواو نحو إلى وعلى ، تقول في تثنيتهما اسمين : إلوان وعلوان . قال الأزهري : وأما متى وأنى فيجوز فيهما الإمالة لأنهما محلان والمحال أسماء ، قال : وبلى يجوز فيها الإمالة لأنها ياء زيدت في بل ، قال : وهذا كله قول حذاق النحويين . فأما إلا التي أصلها إن لا فإنها تلي الأفعال المستقبلة فتجزمها ، من ذلك قوله - عز وجل - : إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير فجزم تفعلوه وتكن بإلا كما تفعل إن التي هي أم الجزاء وهي في بابها . الجوهري : وأما إلا فهي حرف استثناء يستثنى بها على خمسة أوجه : بعد الإيجاب ، وبعد النفي ، والمفرغ ، والمقدم ، والمنقطع . قال ابن بري : هذه عبارة سيئة ، قال : وصوابها أن يقول : الاستثناء بإلا يكون بعد الإيجاب وبعد النفي متصلا ومنقطعا ومقدما ومؤخرا ، وإلا في جميع ذلك مسلطة للعامل ناصبة أو مفرغة غير مسلطة ، وتكون هي وما بعدها نعتا أو بدلا . قال الجوهري : فتكون في الاستثناء المنقطع بمعنى لكن لأن المستثنى من غير جنس المستثنى منه ، وقد يوصف بإلا ، فإن وصفت بها جعلتها وما بعدها في موضع غير وأتبعت الاسم بعدها ما قبله في الإعراب فقلت جاءني القوم إلا زيد ، كقوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وقال عمرو بن معدي كرب :


وكل أخ مفارقه أخوه     لعمر أبيك ! إلا الفرقدان



كأنه قال : غير الفرقدين . قال ابن بري : ذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف أن هذا البيت لحضرمي بن عامر ; وقبله :


وكل قرينة قرنت بأخرى     وإن ضنت بها سيفرقان

قال : وأصل إلا الاستثناء ، والصفة عارضة ، وأصل غير صفة ، والاستثناء عارض ; وقد تكون إلا بمنزلة الواو في العطف كقول المخبل :


وأرى لها دارا بأغدرة ال     سيدان لم يدرس لها رسم
إلا رمادا هامدا دفعت     عنه الرياح خوالد سحم

يريد : أرى لها دارا ورمادا ; وآخر بيت في هذه القصيدة :


إني وجدت الأمر أرشده     تقوى الإله وشره الإثم

قال الأزهري : أما إلا التي هي للاستثناء فإنها تكون بمعنى غير ، وتكون بمعنى سوى ، وتكون بمعنى لكن ، وتكون بمعنى لما ، وتكون بمعنى الاستثناء المحض . وقال أبو العباس ثعلب : إذا استثنيت بإلا من كلام ليس في أوله جحد فانصب ما بعد إلا ، وإذا استثنيت بها من [ ص: 130 ] كلام أوله جحد فارفع ما بعدها ، وهذا أكثر كلام العرب وعليه العمل ; من ذلك قوله - عز وجل - : فشربوا منه إلا قليلا منهم فنصب لأنه لا جحد في أوله . وقال جل ثناؤه : ما فعلوه إلا قليل منهم فرفع لأن في أوله الجحد ، وقس عليهما ما شاكلهما ; وأما قول الشاعر :


وكل أخ مفارقه أخوه     لعمر أبيك إلا الفرقدان

فإن الفراء قال : الكلام في هذا البيت في معنى جحد ولذلك رفع بإلا كأنه قال ما أحد إلا مفارقه أخوه إلا الفرقدان فجعلها مترجما عن قوله ما أحد ; قال لبيد :


لو كان غيري سليمى اليوم غيره     وقع الحوادث إلا الصارم الذكر



جعله الخليل بدلا من معنى الكلام كأنه قال : ما أحد إلا يتغير من وقع الحوادث إلا الصارم الذكر ، فإلا هاهنا بمعنى غير ، كأنه قال : غيري وغير الصارم الذكر . وقال الفراء في قوله - عز وجل - : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ، قال : إلا في هذا الموضع بمنزلة سوى كأنك قلت لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسدتا . قال أبو منصور : وقال غيره من النحويين معناه ما فيهما آلهة إلا الله ، ولو كان فيهما سوى الله لفسدتا . وقال الفراء : رفعه على نية الوصل لا الانقطاع من أول الكلام . وأما قوله تعالى : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم قال الفراء : قال معناه إلا الذين ظلموا فإنه لا حجة لهم فلا تخشوهم . وهذا كقولك في الكلام : الناس كلهم لك حامدون إلا الظالم لك المعتدي ، فإن ذلك لا يعتد بتركه الحمد لموضع العداوة ، وكذلك الظالم لا حجة له ، وقد سمي ظالما . قال أبو منصور : وهذا صحيح ، والذي ذهب إليه الزجاج فقال بعدما ذكر قول أبي عبيدة والأخفش : القول عندي في هذا واضح ، المعنى : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له . كما تقول : ما لك علي حجة إلا الظلم وإلا أن تظلمني ، المعنى : ما لك علي حجة البتة ولكنك تظلمني ، وما لك علي حجة إلا ظلمي ، وإنما سمي ظلمه هنا حجة لأن المحتج به سماه حجة ، وحجته داحضة عند الله ، قال الله تعالى : حجتهم داحضة عند ربهم فقد سميت حجة إلا أنها حجة مبطل ، فليست بحجة موجبة حقا ، قال : وهذا بيان شاف إن شاء الله - تعالى . وأما قوله - تعالى - : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى وكذلك قوله - تعالى - : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف أراد سوى ما قد سلف . وأما قوله - تعالى - : فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس فمعناه فهلا كانت قرية أي : أهل قرية آمنوا ، والمعنى معنى النفي أي : فما كانت قرية آمنوا عند نزول العذاب بهم فنفعها إيمانها . ثم قال : إلا قوم يونس ، استثناء ليس من الأول كأنه قال : لكن قوم يونس لما آمنوا انقطعوا من سائر الأمم الذين لم ينفعهم إيمانهم عند نزول العذاب بهم ; ومثله قول النابغة :


عيت جوابا ، وما بالربع من أحد     إلا أواري لأيا ما أبينها



فنصب أواري على الانقطاع من الأول ، قال : وهذا قول الفراء وغيره من حذاق النحويين ، قال : وأجازوا الرفع في مثل هذا ، وإن كان المستثنى ليس من الأول وكان أوله منفيا يجعلونه كالبدل ; ومن ذلك قول الشاعر :


وبلدة ليس بها أنيس     إلا اليعافير وإلا العيس



ليست اليعافير والعيس من الأنيس فرفعها ، ووجه الكلام فيها النصب . قال ابن سلام : سألت سيبويه عن قوله تعالى : فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس على أي شيء نصب ؟ قال : إذا كان معنى قوله : إلا لكن نصب . قال الفراء : نصب إلا قوم يونس لأنهم منقطعون مما قبل إذ لم يكونوا من جنسه ولا من شكله ، كأن قوم يونس منقطعون من قوم غيره من الأنبياء . قال : وأما إلا بمعنى لما فمثل قول الله - عز وجل - : إن كل إلا كذب الرسل وهي في قراءة عبد الله إن كلهم لما كذب الرسل ، وتقول : أسألك بالله إلا أعطيتني ولما أعطيتني بمعنى واحد . وقال أبو العباس ثعلب : وحرف من الاستثناء ترفع به العرب وتنصب لغتان فصيحتان ، وهو قولك أتاني إخوتك إلا أن يكون زيدا وزيد ، فمن نصب أراد إلا أن يكون الأمر زيدا ، ومن رفع به جعل كان هاهنا تامة مكتفية عن الخبر باسمها ، كما تقول كان الأمر ، كانت القصة . وسئل أبو العباس عن حقيقة الاستثناء إذا وقع بإلا مكررا مرتين أو ثلاثا أو أربعا فقال : الأول : حط ، والثاني : زيادة ، والثالث : حط ، والرابع : زيادة ، إلا أن تجعل بعض إلا إذا جزت الأول بمعنى الأول فيكون ذلك الاستثناء زيادة لا غير . قال : وأما قول أبي عبيدة في إلا الأولى : إنها تكون بمعنى الواو فهو خطأ عند الحذاق . وفي حديث أنس - رضي الله عنه - : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا إلا ما لا ) . أي : إلا ما لا بد منه للإنسان من الكن الذي تقوم به الحياة .

التالي السابق


الخدمات العلمية